الخميس - الموافق 28 مارس 2024م

الطبيعة جند من جنود الله يسلطها الله على الأمم الظالمة بقلم: هند درويش

خلقنا الله سبحانه وتعالى لعبادته وحده لا شريك له، ولعمارة الأرض وفق المنهج الذي ارتضاه لنا، وسخر لنا الطبيعة لييسر لنا الحياة و ولنعمر الأرض قال تعالى: ” هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ

وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ” (هود:61). ولكن عندما انشغل الناس بالنعم ونسوا المنعم أو خالق هذه النعم، وغرتهم الحياة الدنيا وزينتها ، ونسوا أن الدنيا دار اختبار وانها ليست دائمة بل هى إلي الزوال ” كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ” (الرحمن:26-27). ، مما أدى إلي ظهور الفساد وكثرة المعاصي والمنكر، ولقد ذم الله بني إسرائيل في قوله تعالى: ” كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ” (المائدة: 79). فإذا انتشر الفساد في قوم سلط الله عليهم جنده من الماء والرياح والبحار والزلازل والبراكين عقاباً لهم، ولعلهم يرجعون ويتوبوا إلي الله ” وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ” (السجدة:21).

فالمطر آية من آيات الله الدالة على رحمته ” وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ” ( الشورى:28). ونستدل على رحمة الله من عذابه من خلال أثارها فإذا كانت نافعة فدل ذلك على رحمته، وإن كانت غير ذلك دلت على عقاب الله وعذابه ” فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ” ( الروم:90). فإن الله ينزل كل شيء بمقدار وبتقدير محكم، فإذا زاد عن الحد الطبيعي انقلبت من نعمة إلي نقمة، ومن رحمة إلي عذاب ” ” وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ” ( المؤمنون:18). والمطر يكون نعمة عندما ترتوي به الأرض فتخرج لنا أطيب الثمار والنباتات النافعة للعباد ” وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ” (البقرة:22). فكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ” اللهم صيّباً نافعاً ” (رواه البخاري) عند نزول المطر.

وحدوث الزلازل وعيد وتخويف من الله تعالى لأهل الأرض ” وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ” (الإسراء: 59). فإن الله ألقى في الأرض الجبال لتحافظ على توازن الأرض وثباتها لئلا تميل وتضطرب ” وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ” (النحل:15). والرياح الشديدة غضب من الله نتيجة لكثرة الذنوب والمعاصي وعدم اتباع منهج الله ” قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ” (الأحقاف:24-25).

ومن علامات رحمة الله أيضاً تسكينه للريح، فيسكن البحر الهائج فتسير السفن في آمان كالجبال وهذا دليل على شدة ثباتها ” وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ” (الشورى:32-34). كَالْأَعْلَامِ: كالجبال، فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ: تسير ثابتة ساكنة، يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا: يهلكهن بالغرق بذنوبهم. وهو القادر على أن يرسل الريح العاصفة مما يؤدي إلي ارتفاع الأمواج ردع للظالمين ليتبوا إلي الله ” هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ” ( يونس: 22-23).

فإن الله يسلط الريح على الأمم الظالمة لكفرهم ” أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ” ( الإسراء: 69). ” أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ *أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ” ( الأعراف: 97- 99). مكر الله: هو الإمهال للأمم الظالمة وهو ما يعرف بالاستدراج أى يفتح عليهم من النعم ثم يأخذهم على غفلة ” فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ” (القلم: 44-45). حتى يظنوا أنهم أقوياء وقادرون، ولا يوجد شيء يعترض طريقهم فيسلط الله عليهم جنوده من المطر والرياح والزلازل والبراكين على غفلة ” وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ” ( المدثر: 31). فيهلكهم بذنوبهم ” حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ” (يونس: 24). والله لا يهلك الدول إلا بسبب كثرة ذنوبها ومعاصيها ” فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ” ( العنكبوت: 40). فالله سبحانه وتعالى عدل لا يهلك دولة أو مدينة أهلها مصلحون فى الأرض ” وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ” ( هود: 17). ” وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ” (القصص:59).

ومن مظاهر عدله أيضا أن قوانين الكون واحدة تسري على كل البشر والأمم، وهذا يتجلى في قوله تعالى: ” لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ( النساء: 123). وقد روى المفسرون في سبب نزول هذه الآية أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا. فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى منكم. وقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم، ونبينا خاتم النبيين. وكتابنا يقضى على الكتب التي كانت قبله. فأنزل الله هذه الآية، وفي تفسير الطنطاوي: فقد اقتضت سنة الله- تعالى من يرتكب معصية مؤمنا كان أو كافرا يجازه الله بها عاجلا أو آجلا إلا إذا تاب، أو تفضل الله عليه بالمغفرة إذا كان مؤمنا.

بقلم: هند درويش
ماجستير في التفكر في القرآن الكريم وعلاقته بالتفكير الإبداعي

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك