الجمعة - الموافق 19 أبريل 2024م

الشفافية والنزاهة في المنطقة العربية.. “التقرير السنوي الأول” المؤشر العربي التجريبي ” لنظم الوقاية من الفساد وتعزيز الشفافية ” 2018

Spread the love

المقدمة  والإطار المنهجي

أن ظاهرة الفساد وباء ضار يقوض سيادة القانون ويعيق قدرة الحكومات على تقديم الخدمات الأساسية لشعوبها فيعرقل مشاريع التنمية وينتهك حقوق الإنسان وتزدهر في ظله الجريمة والإرهاب مما يؤدي إلى تدهور مستوى حياة الإنسان وجلب عدم الاستقرار وانعدام الأمن وتفشي الظلم. لقد أدركت دول العالم المخاطر الجسيمة الناتجة عن الفساد باعتباره جريمة خطيره تقوض حكم القانون وتعيق التنمية وتنشر الفقر والجهل وتحول دون وصول الحقوق لأصحابها.

ويتفق الباحثون على ان الفساد امتدت عبر الزمن وله امتداداته ليشمل كافة دول العالم دون استثناء، ولكن التطور الاهم هو التنامي غير المسبوق لأوجه الفساد وانعكاساته التي أصبحت مثار اهتمام الكثير من المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية التي أخذت على عاتقها رصد الظاهرة في كل دول العالم.

حظيت ظاهرة الفساد باهتمام الباحثين والأكاديميين في مختلف دول العالم وبدأ الكثير من دول العالم بتكريس جهودها من خلال تأسيس هيئات ومنظمات محلية ودولية مختصة في مكافحة الفساد وبدأت بوضع الاستراتيجيات والسياسات التي تعمل على تقديم حلول لهذه المشكلة وتقلل من آثارها وتحد من انعكاساتها ومن بين هذه المنظمات (منظمة الشفافية الدولية، منظمة UNDP والمكتب المعني لمكافحة المخدرات للأمم المتحدة ومنظمة ألتجاره العالمية والبنك الدولي) وكل هذه المنظمات بدأت بوضع تعاريف للفساد لأجل جمع الرؤى حول مصطلح الفساد وبالتالي اتجهت الى وضع مؤشرات وسياسات وخطط لأجل قياس حجم الفساد في مختلف دول العالم ووضع الحلول المناسبة التي تتلاءم مع بيئة كل نظام وطبيعة كل مجتمع، وبالتالي أخذت ظاهرة الفساد مزيداً من الاهتمام العالمي المتزايد لإيجاد حلول مناسبة لهذه المشكلَة والتي تتفاقم خصوصاً في دول العالم الثالث ومنها الدول العربية.

خلال السنوات السبع الماضية كانت المنطقة العربية تموج بالتغيرات السياسية والاقتصادية ، ورغم اختلاف شدة ومدى وطبيعة هذه التغيرات من بلد لأخرى ، إلا أنها في مجموعها كان لها تأثير واسع على البني القائمة في تلك البلدان ، وأفضت الي تحولات جذرية لا يمكن تجاوزها بسهولة .

بشكل قاطع يمكن القول أن الوطن العربي في 2010 ، يختلف بشكل واضح عن ما بعد 210 ، إذ انطلقت موجة عاتية من الاحتجاجات الشعبية الواسعة في عدد من البلدان  على خلفية تنامي معدلات الفساد السياسي والمالي والإداري وانتهاكات حقوق الإنسان  وفشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية في عدد غير قليل من الدول العربية  ، وقد أدت هذه الاحتجاجات الي تغيير في النخب الحاكمة في بعض الدول ، بينما أدخلت دول أخرى في آتون حروب أهلية ومذهبية طاحنة لم تنجو منها حتى الآن ، بينما دفعت تلك الاحتجاجات باتجاه تغييرات جزئية ملموسة في طبيعة النظم السياسية القائمة في البعض الآخر من الدول ، فضلا عن اتجاه دول أخرى لتبني أجندات تحمل بعض الملامح الإصلاحية خاصة إذاء قضايا الفساد .

في اللحظة الحالية ، يمكن القول أن هناك ثلاث دول عربية  وهي سوريا وليبيا واليمن فشلت في إدارة عملية الانتقال الديمقراطي بشكل كامل ، ولا تزال غارقة في عملية اقتتال أهلي مدفوع بأجندات خارجية لبعض القوى الإقليمية ، بينما تمكنت دول مثل مصر وتونس والأردن والمغرب ولبنان من استعادة الاستقرار ولكن بفاتورة اقتصادية  وأمنية بالغة القسوة ، في حين حافظت بعض الدول على تماسكها بسبب سياساتها الداخلية والخارجية الناجحة ( كالإمارات وسلطنة عمان والكويت ) ، واستفادت  دول كالسعودية والبحرين مما حدث وتبنت أجندات إصلاحية لازالت جارية .

وبشكل عام ، وكأحد الأثار الجانبية السلبية لهذه التغيرات فقد تمددت الجماعات والتنظيمات الإرهابية وحاولت فرض أجندتها ووجهت – ولازالت توجه – ضربات موجعة تهدد الاستقرار و الأمن والتنمية في الكثير من الدول العربية ، وهي جماعات  بدت مدفوعة ومدعومة من قوى في المنطقة تجد في هذه الجماعات وسيلة لبسط نفوذها السياسي بالمخالفة للمعايير الدولية والأخلاقية ذات الصلة ، واستخدمت هذه القوى وفوراتها النقدية في توفير ملاذات آمنة ومظلات سياسية ومنابر إعلامية للجماعات الإرهابية .

كانت قضايا النزاهة والشفافية ومناهضة الفساد في مقدمة القضايا التي أثارتها موجة الاحتجاجات ، وبالتبعية عكستها سياسات وتشريعات النظم الحاكمة في مرحلة ما بعد هذه الاحتجاجات ، وهو ما دعا مؤسسة شركاء من أجل الشفافية إلى المبادرة بإصدار تقرير عربي سنوي يناقش هذه القضية ويقدم للمهتمين والمعنيين  المعلومات والبيانات التي تساعدهم على رسم صورة عن طبيعة الأوضاع المرتبطة بهذه القضية ، وتساعد صناع وواضعي السياسات في الدول العربية على تبني مداخل تعزز ممارسات النزاهة والشفافية والمساءلة ومناهضة الفساد.

يركز التقرير العربي الأول بشكل أساسي على رصد الوضع الراهن ، وتحليل البني التشريعية والمؤسسية المتعلقة بمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والنزاهة ، ويقيم موقف  الدول العربية من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة ، ويوضح الملامح العامة لهذه الظواهر في الدول العربية المختلفة ، كما يكشف لأول مرة عن مؤشر تجريبي مقترح لتقييم بعض جوانب الشفافية والنزاهة في المنطقة العربية من خلال ” المؤشر العربي المقترح لنظام الوقاية من الفساد”

المؤشر العربي المقترح لنظام الوقاية من الفساد

من أكبر التحديات المرتبطة برصد ومتابعة ظاهرة الفساد وتقييم ممارسات الشفافية والنزاهة في المنطقة العربية هو غياب آليات القياس، والأدوات المنهجية التي نستطيع من خلالها الوصف الدقيق لمدى انتشار هذه الظاهرة، وتقييم كفاءة وفاعلية النظم الوطنية للنزاهة والشفافية ومكافحة الفساد.

ورغم الجهود المقدرة التي تقوم بها بعض المؤسسات الدولة – وتحديدا مؤسسة الشفافية الدولية – إلا أنها تتعرض لمطاعن منهجية متعددة، ولا يمكن الجزم بأنها تعكس بشكل دقيق وقاطع مستوى النزاهة والشفافية في البلدان المختلفة.

فمعظم محاولات القياس العالمية والعربية تعتمد على قياس إدراك عينة من أصحاب المصلحة لمدى وجود الفساد وانتشاره في قطر معين، وهي وسية قياس تبدو سطحية ولا تعكس عمقا في دراسة وتحليل الظاهرة ، فضلا عن أن نقص توفر المعلومات المتاحة عن الظاهرة بشكل عام تصعب كثيرا من قياسها .

في هذا الصدد فإن مؤسسة شركاء من أجل الشفافية تبدأ من هذا التقرير في محاولة فتح نقاش حول مؤشرات تجريبية لقياس ظواهر الفساد وممارسات الشفافية والنزاهة في المنطقة العربية ، ونقدم في هذا التقرير مؤشر تجريبي مقترح  يقيس  فقط ” نظام الوقاية من الفساد ”

 

منهجية القياس

يتكون المؤشر المقترح من 12 محور تعكس الابعاد الدستورية والقانونية والمؤسسية المتعلقة  بالوقاية من الفساد في كل دولة والمتمثلة في :-

1-     التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة الفساد

2-التصديق على الاتفاقية العربية لمناهضة الفساد

3-    وجود برلمان منتخب انتخاب حر مباشر

4- النص الدستورى والقانوني على حق البرلمان في مراقبة ومساءلة السلطة التنفيذية

5-  وجود أجهزة رقابية معنية بمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية

6-  النص الدستورى والقانوني على استقلالية الأجهزة الرقابية

7-    النص الدستورى والقانوني على اتاحة الحق في الحصول على المعلومات

8-   النص الدستورى والقانوني على استقلال المؤسسات القضائية

9-  النص الدستورى والقانوني على حرية عمل منظمات المجتمع المدني

10-  النص الدستورى والقانوني على منع تضارب المصالح

11-    النص الدستورى والقانوني على حماية المبلغين والشهود في جرائم الفساد

12-  النص الدستورى  والقانوني على حرية الإعلام

ويقيس المؤشر مدى توفر كل بعد من هذه الابعاد وفقا لأربعة تقديرات وهي : غير متوفر وتحصل الدولة بموجبه على درجة صفر ، متوفر بدرجة محدودة ، وتحصل الدولة بموجبه على درجة واحدة  ، ومتوفر بدرجة متوسطة وتحصل الدولة بموجبه على درجتين  ، ومتوفر بدرجة كبيرة وتحصل الدولة بموجبه على  ثلاث درجات .

ثم يتم جمع درجات الدولة في كل المحاور لتعطي تقييم عام عن مدى توفر ” نظام وطني للوقاية من الفساد”  ومن ثم تتراوح الدرجة الدنيا والعليا للمقياس ما بين صفر الي 36 .

ويجب أن ننوه أن هذا المقياس لا يقيس فاعلية نظام النزاهة الوطني ، ولا يقيم معدلات الفساد في دولة ما ، ولكنه فقط يقيس مدى توفر المتطلبات التشريعية والمؤسسية لمناهضة الفساد وتعزيز الشفافية والنزاهة ، وسوف تعمل شركاء من أجل الشفافية في المستقبل عل تنقيح هذا المؤشر واضافة مؤشرات أخرى اليه للوصول الي مؤشر شامل لظاهرة الفساد ومدى فاعلية نظم النزاهة والشفافية في المنطقة العربية .

خلال التطبيق التجريبي للمؤشر اعتمدنا على منهجية تجمع ما بين تحليل النظم الدستورية والقانونية والمؤسسية من جانب ، وتقييم الخبراء من جانب آخر .

 حيث تم مراجعة النظم الدستورية والقانونية والادبيات المتاحة والواقع المؤسسي في كل دولة وكذلك استطلاع رأي وتقييم الخبراء والباحثين والمهتمين، على أساس ذلك تم إعطاء درجة للدولة في كل محور من محاور المؤشر.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك