الجمعة - الموافق 19 أبريل 2024م

الدولة الوطنية في مواجهة الارهاب بقلم :- الدكتور عادل عامر

Spread the love

يجب ضرورة الاتفاق بين جميع الدول العربية على مفهوم الدولة الوطنية، وأن القوات المسلحة والشرطة في كل البلدان العربية، لا ترعى الأنظمة ولكن ترعى المواطنين وتمكنهم من الحرية والتملك داخل وطنهم. من يريد أن يقيم شرعا، يجب أن يقيم الدولة الوطنية أولا”.

التزمت الدولة بسياسات تنموية ليبرالية جديدة، تقوم على مبادئ التقشف في الإنفاق العام، والتخلي عن الدور الاجتماعي لصالح المجتمع المدني، وتبني انفتاح السوق، وعدم التدخل فيه سواء بتحديد الأسعار أو تحديد نوعية الإنتاج، وتهميش الاقتصاد الزراعي واستبداله باقتصاد ريعي يقوم على نواتج أرباح السياحة.

وبطبيعة الحال كانت النتيجة الحتمية هي تخلي الدولة عن مسئوليتها الاجتماعية، وفتح الباب أمام المجتمع المدني الذي امتلأ عن آخره بجمعيات دينية تؤسس لخطاب سلفي ممهد للإرهاب. وفي المقابل، لا توجد مساهمات من رأس المال، على كافة المستويات. قد يبرر ذلك بأن المشروعات الصناعية الكبيرة، يهدر أصحابها جزءًا كبيرًا من الأموال في الإنفاق على الفساد الحكومي، فالرشاوى والعمولات التي تدفع لتمرير المشروعات، تضعف من رغبة رأس المال من تحمل مسئولية ألقتها عليه دولة تنهبه برأيه. فالشاب أو الشابة تلجأ للجماعات الدينية المتطرفة كجزء من مقاومة هشاشة التجربة اليومية الحديثة التي تسببت في ضعف النسيج الأسري، وسيادة ثقافة استهلاكية.

إذ يبحث العضو عن جماعة مرجعية تؤكد مثاليته ورغبته في بناء مجتمع مثالي يحاكي الصورة المرسومة عن الماضي. فالحداثة المصرية المشوهة لم تنتج في المدن عالما جديدا يؤلف بين الأفراد داخل الأسرة الواحدة. وهو ما يبرر وجود أفراد من الطبقات العليا والمتوسطة ضمن الجماعات المتطرفة، لأسباب تتصل أغلبها في العزلة كمكون أصيل في بنية الحياة الحديثة القائمة على المادية والاستهلاك والفردية. فليست هذه الجماعات نتاج الفقر، كما تتصور بعض الأدبيات، فكيف إذن نجد أفرادا تعلموا في المدارس الحديثة، وتخرجوا بشهادات عليا في تخصصات علمية متميزة، إلا إذا كان هذا التفسير هو الأقرب والأدق في تفسير العزوف عن المجتمع، وتفضيل الحياة الجديدة.

أن الشريعة الإسلامية السمحة تحث على كرم الضيافة وحسن المعاملة والرفق واللين والتسامح مع مختلف الأقليات، أيا كان أصل تلك الأقليات، أو لونها أو عرقها أو دينها، امتثالا لما ورد في القرآن الكريم: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» سورة «الحجرات»، الآية 13.

لان ظاهرة الإرهاب أصبحت ظاهرة خطيرة تهدد البيئة والحياة اليومية للإنسان، بمعنى أنها لم تعد ظاهرة محلية أو إقليمية. و إن مكافحة الإرهاب تتطلب تحديد التعريف القانوني للإرهاب، الذي ما زال يكتنفه الغموض لأسباب سياسية تهدف إلى عرقلة الجهود الدولية لوضع اتفاقية عالمية لمكافحة الجرائم الإرهابية.

أن التغييرات في وظائف الدولة الرأسمالية التي أنتجتها الليبرالية الجديدة أدت إلى صعود اليمين الذي تطور إلى منظمات سياسية اجتماعية تعتمد الوطنية المترابطة وروحا عنصرية توسعية، وفكرا أيديولوجيا محركا لفعاليتها السياسية. لان القاعدة الاجتماعية تتكون من شرائح طبقية متعددة يشدها الإحباط الاجتماعي الناتج عن الأزمات الاقتصادية التي يفرزها تطور بنية الاقتصاد الرأسمالي.

والتي تعتمد العديد من الركائز الأيديولوجية، منها تحويل الدولة الوطنية وسلطتها التنفيذية إلى إمارات تشدها روح أيديولوجية تحددها أطر مذهبية إسلامية، ومنها بناء دولة الخلافة على مبدأ وحدة السلطات مع إعلاء مركزية السلطة التنفيذية المتمثلة بسلطة «الأمير المجاهد» ومنها كذلك اعتماد برنامج اقتصادي يعتمد على إعلاء شأن القطاع التجاري وتطوير الوكالة التجارية عبر إدارة الثروة الوطنية بالترابط مع الشركات الاحتكارية وما ينتج عن ذلك من تعطيل الدورة الإنتاجية. يعتمد القوة لفرض منهجه السياسي والفكري على الآخرين».

هنا نوضح مدلول الإعلام الطائفي باعتباره «يقوم على حقائق ومعلومات، تقدم بصورة ذاتية تعبر عن وجهة نظر معينة، بهدف تكوين رأي عام حول موضوع معين»، وهو يختلف عن الطائفية باعتبارها انتماء لطائفة معينة دينية أو اجتماعية ولكن ليست عرقية، حيث يمكن أن يجتمع عدد من القوميات في طائفة واحدة بخلاف أوطانهم أو لغاتهم.

لان  انتشار الطائفية الدينية إلى تسييس المؤسسات الدينية الكبرى، في محاولة للسيطرة على الواقع الديني، والقضاء على أي منافسة اجتماعية ممكنة، وغياب أي مشروع قومي يتمكن من توحيد أبناء الشعب الواحد، أيا كان، الأمر الذي أدى إلى انسحاب الفرد إلى ذاته، والتمسك بميراثه الديني القديم، وربط كل ما هو ثقافي أو معرفي بالمحاولات الغربية للهيمنة على الواقع العربي، وبالتالي رفض كل الحلول التي يطرحها الفكر الإنساني بمعزل عن التدين الطائفي أو المذهبي.

وهكذا أصبح من الجلي أن الديمقراطيات الغربية تواجه حالياً مصاعب جمة في ضبط التوازن بين معياري الحرية والأمن، بحيث يحق التساؤل مع «بونت»: هل لا تزال الدولة الوطنية السيادية الحديثة صالحة لتأمين الوظيفة التي قامت عليها شرعيتها، أي الحفاظ على أمن الأفراد والمجتمع ضمن حدود جغرافية معترف بها وفق أنظمة قانونية ناجعة؟

إن الانهيار الذي عرفته بلدان المنطقة في السنوات الأخيرة كان نتاج حركيّة مزدوجة: أيديولوجيا راديكالية لا يمكن أن تتلاءم مع منطق الهندسة السياسية الحديثة، وتنظيمات مقاتلة تستخدم العنف الوحشي أداة للفعل السياسي والسلطة، والعلاقة بين طرفي الحركية جلية للعيان. الأيديولوجيا المتطرفة لا تعترف بفكرة الدولة الوطنية ولا بضوابط البناء السياسي التعددي في المجتمع، وهي قادرة على استغلال قنوات التمثيل والانتخاب الديمقراطي لافتكاك السلطة (كما حدث في بعض بلدان «الربيع العربي») بما يفسر عمق مأزق التحول الديمقراطي في العالم العربي، حيث الاختلال فادح بين مقتضيات التحرر السياسي والقوى الإقصائية الراديكالية المستفيدة من القنوات والآليات الإجرائية للديمقراطية التعددية. وهكذا يصبح نموذج الدولة الوطنية الليبرالية عاجزاً عن حماية المجتمع من العنف الذي تفرزه من داخل نظمها المؤسسية، وفي حال أي تعثر في المشهد الانتقالي يصبح بمقدور الجماعات المتطرفة الاستيلاء على السلطة بالعنف والتمرد، فتقضي كلياً على الكيان الوطني.

مواجهة التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية: تصاعدت دعوات خطباء ورجال الدين في صلاة الجمعة في المساجد بعدة مدن عراقية، على مدى السنوات الثلاث الماضية، لتكوين جيش عراقي عقائدي يكون قادرًا على مواجهة تهديدات التنظيمات الإرهابية، وخاصة تنظيم “داعش” بعد سيطرته على محافظات ذات مساحة جغرافية واسعة وكثافة سكانية مرتفعة، فضلا عن ثرواتها النفطية ومصادرها المائية.

وهنا تصبح متطلبات وجود جيوش حتى لو كانت عقائدية، في رؤية الاتجاه الذي تبنى هذه الدعوات، ضرورية لمواجهة أدوار التنظيمات الإرهابية في إحداث توترات مجتمعية وفوضى أمنية. وتكمن أهمية هذا النمط من الجيوش العقائدية، وفقًا لتلك الرؤية، في تصفية جيوب التنظيمات الإرهابية في بؤر الصراعات المسلحة العربية، وخاصة في سوريا والعراق.

فعلى الرغم من أن الفترة الماضية شهدت تراجعًا في المساحات الجغرافية التي تتواجد فيها تلك التنظيمات وخاصة “داعش”، إلا أن هناك تقديرات استراتيجية صادرة عن بعض مراكز البحث والتفكير الغربية تشير إلى أن ثمة أهدافًا محتملة لتلك التنظيمات خلال الفترة القادمة قد تشمل القوات الشرطية والعسكرية والمؤسسات العامة والمرافق الاقتصادية والخدمية، لا سيما بعد تعثر هدفها في استمرار تفكيك بنية الدولة الوطنية وتحويلها إلى دولة فاشلة مزمنة.

 

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك