الثلاثاء - الموافق 16 أبريل 2024م

الدكتور عادل عامر يكتب للفراعنة :- القواعد الاجنبية وتأثيرها علي الامن القومي لدول مجلس التعاون الخليجي والرؤية المستقبلية للحد من تواجدها

Spread the love

مقدمة :-
تعد منطقة الشرق الأوسط واحدة من المناطق ذات العرقية الأكثر خطورة والتي تقع رهينة للصراعات الدينية والهجمات الإرهابية والنزاعات الإقليمية والعديد من الأزمات العابرة للحدود، وذلك لما تحظى به من مميزات فريدة من نوعها من حيث الموقع الجغرافي فهي ممر لثلاث قارات (آسيا وأفريقيا وأوروبا)،
وما تتمتع به من ثروات طبيعية كالنفط والغاز الطبيعي، وهو ما يفسر منافسة القوى الكبرى للسيطرة على مقدرات تلك المنطقة عبر وسائل وأدوات مختلفة ولعل منطقة الخليج العربي هي الجوهرة المشعة لهذه المنطقة، كونها تتحكم في العديد من المضايق الهامة، بالإضافة إلى احتضانها نصف الاحتياطي العالمي من النفط.
ويظل الشرق الأوسط محورًا رئيسًا للمخططين العسكريين الأمريكيين، وأصبحت المنطقة التي كانت تعتبر في الماضي مستقرة نسبيًا -ويرجع ذلك إلى الحكم المشكوك فيه في الأنظمة الاستبدادية- غير مستقرة إلى حد كبير، وأرضًا خصبة للإرهاب، وقد تدهور الأمن العام في المنطقة في السنوات الأخيرة، وتفاقمت الصراعات في العراق وليبيا وسوريا واليمن، مع قيام تنظيمي (داعش) والقاعدة.
كما أدت التدخلات الروسية والإيرانية في سوريا إلى تعقيد القتال هناك، كما تواجه مصر تمردًا متزايدًا في سيناء المصرية ينتشر تدريجيًا، وبالرغم من تمكن العراق من وقف التقدم ودفع تنظيم داعش ولكنه يحتاج إلى مساعدة كبيرة لهزيمته.
احتل الوطن العربي ، وما زال يحتل مركزاً مرموقاً في السياسة العالمية وفي صوغ موازين القوى الدولية ، وذلك بسبب موقعه الاستراتيجي وثرواته الاقتصادية الهائلة ، ونظراً إلى علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل كحليف شرق أوسطي استراتيجي ،ووفق سياستها المعروفة القائمة على خلق الصراعات من أجل منع أي أمل لنشؤ قوى إقليمية تؤثر على مصالحها العليا في الوطن العربي ،
فإن لعملية صنع القرارات في السياسة الخارجية الأمريكية أهمية بالغة في وضع المنطقة والأحداث التي تجري على ساحاتها. ومن المنطلق نفسه توجب على الولايات المتحدة أن تحمي هذا الحليف القوى بأي شكل ، فقامت بدعمه بالعتاد والسلاح والمال في بعض الحروب وألقت بثقلها بكاملها في بعضها الآخر. ولكن ما كان ملفتاً للنظر هي السياسة الأكثر ضباباً ، ألا وهي سياسة التسليح و وجود القواعد الأمريكية على الأراضي العربية ، وما تحويه من كواليس غامضة وطباع متقلبة سواء مع الحلفاء أو الأصدقاء بل ومع الأعداء. كما وزادت في الآونة الأخيرة لدى العديد من دول المنطقة العربية حالة عدم الاتزان الأمني , وذلك إما نتيجة العدو التقليدي (إسرائيل) أو الحروب المفتعلة والموجهة من الأطراف الخارجية (حرب الخليج).
استراتيجية البقاء الامريكي
باتت الولايات المتحدة الامريكية مرتبكة بالفعل عند سقوط الاتحاد السوفيتي وانحلال المعسكر الاشتراكي بصورة عشوائية. والسبب في ذلك يعود لكون استراتيجية البقاء الامريكي مبنية على وجود عدو يستوجب الحذر منه دوما واعداد العدة له. وسقوط الاتحاد السوفيتي المفاجئ يجعلها تبحث بسرعة عن بديل يحافظ على التواجد العسكري الامريكي في العالم.
فتخبطت مرارا قبل ان ترجع الى اطروحتها لعام 1981م في محاربة الارهاب الدولي لكونها مرسومة لبداية القرن الحادي والعشرين ولم تجري الترتيبات الاساسية لها بعد.
ولكن وجد وزير الدفاع الامريكي وبطلب من ادارته ضرورة التعامل مع الاحداث بجدية وواقعية خصوصا بعد ان دمر الاتحاد السوفيتي ترسانة سلاحه النووي واستعداده لتدمير ما تبقى لقاء مساعدته في الخروج من ازمته الاقتصادية المفتعلة من قبل غرباتشوف.
وعليه قدم وزير الدفاع الامريكي ديك تشيني في الاول من فبراير عام 1990 الى لجنة الدفاع الامريكية العليا طلبا يحثهم فيه التوقف في البحث والتخطيط والتكتيك في مسألة هواجس غزو سوفيتي مستقبلي لإيران للسيطرة من خلالها على حقول النفط في الخليج؛ لكون الموضوع بات مستحيلا وغير معقول جدا في الظروف الراهنة(04-ألنشتاين).
كما طلب منهم ان يتم التركيز على ضمان سلامة الملاحة في الخليج لتأمين وصول الامدادات البترولية خوفا من تعرضها لتهديديات القوى الاقليمية الخارجة من الحرب توا وتمتلك قوات عسكرية كبيرة لها القدرة في تنفيذ ذلك .
عامل البترول
لا يمكن أن نخفي مطلقا حقيقة مفادها؛ أن عامل البترول يشكل المحور الأساس في إبقاء حركة الاضطهاد والاحتلال والقمع وديمومة الحروب الصغيرة والكبيرة في أي شكل من الأشكال التي عاهدناها. ولكون الوطن العربي يتمثل بضخامة مراميه وذخائره الغنية التي سيدها وسيد العالم البترول؛
نرى يستوجب علينا إذن أن لا ننظر ببعد ضيق لما يدور من أحداث؛ بل علينا أن نحدق في المسألة من خلال إطار يتخلله نوازع أساسية في مفهوم أطماع الدول الغربية لاحتلال أو السيطرة على المنطقة بأية طريقة مناسبة تحافظ على بقاء مصالحهم.
تلك الدول التي بما لا يقبل الشك مطلقا تعتمد على منتجات المنطقة العربية النفطية دون منافس من جانب؛ وما يشكله النفط من عصب ذو أهمية في استمرار ديمومة الحياة من جانب أخر؛ لتلك الدول التي تفتقر إليه. وعليه ومن خلال قراءة أدبيات الصراع حول النفط؛ نرى أن تلك الدول ومنذ ارتباط بقائها وديمومتها بعامل البترول؛ بات مبدأ البقاء والسيطرة لديها على الدول المنتجة؛ هدفا أساسيا لاستمرار جريان تصدير البترول إليها من جهة؛ والسيطرة على الأموال التي تجنيها الدول المنتجة من جهة أخرى.
العامل الاقتصادي
إن العامل الاقتصادي مربوط بصورة أو أخرى بزيادة الاستهلاك للبترول في الدول المستوردة؛ بعد أن انتهى وولى عصر استعمال الفحم الحجري المستخرج بكميات هائلة حينذاك؛ لتشغيل عجلة الصناعة والقوة الحربية. ولقد تضاعف استهلاك البترول عالميا بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة مرة كل عشر سنوات حتى غاية عام 1971م(12-السلاح والخبز).
وبالتالي أجلا أو عاجلا كانت تتمخض في أروقة السياسة الغربية بوادر بناء استراتيجية نفطية مستقبلية؛ التي من خلالها توضع أسس التعامل السياسي مع تلك الدول المنتجة للبترول. وهو دون أي أدنى شكوك مرتبط ارتباطاً وثيقا بالحالة السياسية الصورية التي يمكن للغرب رسمها ووضعها في موضع التنفيذ.
تلك السياسة التي تكمن في كيفية قيادة الدول المنتجة للبترول. ففي العقود الماضية من القرن العشرين كان يدار حكمهم إما عن طريق تقوية شوكة ملك؛ أو انقلاب عسكري أو تنشيط أحزاب سياسية وخلق تيارات جديدة. وكانت هذه الأهازيج السياسية المزيحة السابقة؛ تبيح للمخابرات الغربية فرصة اللعب كعنصر له دور كبير في تأجيج الصراعات الداخلية وترجيح كفة حزب أو فرد على أخر. لتنتهي بعدها بنا الحالة العصيبة إلى ما هو عليه الحال ألان. حيث كان يمكن إقالة حكومة وتعيين أخرى بمجرد الإشارة بإصبع بعد أن كانت أجهزة المخابرات الغربية تلوح بعصي.
ولكن من غير الممكن بناء الصورة الحقيقة لما يدور وما دار منذ بداية منتصف القرن الماضي أو اقل منه بقليل إلى يومنا هذا؛ دون معرفة واقع الاحتياطي البترولي العالمي. والذي من خلاله يمكن حل لغز المعادلة الوهمية التي يعيش عناصرها القادة الغربيون وتمتثل إليها شعوب منطقة ما حتى ولو كان دون محض إرادتهم. وبهذا يمكننا دون تردد أن نسأل بعد عرضنا المبسط للحالة النفطية وملابساتها؛ ما هو موقع دول الخليج العربي في نظر هؤلاء وألاعيبهم؟؛ إذا ما عرفنا أن الاحتياطي البترولي العالمي مع بداية عام1950م كان حسب تقديرات الشركات المنتجة للبترول في المنطقة العربية يقدر بحوالي 48 مليار برميل.
شغلت إيران منه 13 مليار برميل وبقية دول الخليج العربي بما فيها العراق 35 مليون برميل. في حين كان احتياطي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي حينذاك يشكلان 25.3 و 6.3 مليار برميل على التوالي.
وهو ما يعني في تلك الحقبة التي تعتبر بدايات اكتشاف البترول نسبيا أن دول منطقة الخليج العربي ومن ضمنهم إيران كانت يشكل إنتاجها 22.2% من إجمالي الاحتياط العالمي. وهنا تجدر الإشارة بان الشركات البترولية لم تكن بعد قد تحرت عن البترول في الإمارات العربية وسلطنة عمان(12-السلاح والخبز).

لقد استمرت الاكتشافات البترولية بصورة متزايدة في منطقة الخليج العربي منذ نهاية الستينات؛ بعد عن عجزت الشركات الأمريكية والبريطانية من إيجاد بديل عن النفط الخليجي في أفريقيا وأمريكا اللاتينية. وذلك وفق السياسات المرسومة بعد العدوان الثلاثي على مصر. كما عجزت المؤسسات العلمية من إيجاد بديل عن البترول في توفير الطاقة بسعر مناسب وحيوي؛ واضعين في نظر الاعتبار أن يصل قيمة البرميل كأعلى سقف له مستقبلا بما يضاهي حوالي 200 دولار أمريكي(12-السلاح والخبز).
وبناءً على تلك الحقائق نشطت الاستكشافات البترولية في المنطقة بصورة غريبة جدا. وساعد عدم الاستقرار السياسي العالمي آنذاك نتيجة للحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وتسارعهما حول السيادة والبقاء؛ على التنقيب عن البترول وإيجاد منافذ سيطرة أكثر.
وأصبح البترول واستثماره إبان تلك الفترة؛ الأولوية الأولى لكل دولة كبرى وباتت مسؤولياتها ومهامها تتلخص في كيفية السيطرة على المصادر في بواطن الأرض والتي سيدها النفط. ولعل نتيجة للتسارع حول السيطرة على منابع البترول إبان الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي؛ أصبح لمنطقة الخليج أهمية تختلف عن غيرها إذا ما أعدنا قراءة نشرة الأوبيك لمارس 1988م؛ إذ جاء فيها:
“… كانت منطقة الخليج العربي (ونقصد من ضمنها العراق) لوحدها تشغل في عام 1965م ما نسبته 61% من إجمالي الاحتياط العالمي للبترول”. أي بواقع 213.6 مليار برميل من الإجمالي العالمي البالغ 350 مليار برميل نفطي؛ بعد أن تم الإنتاج البترولي في كل من سلطنة عمان والإمارات”(12-السلاح والخبز).
من المرجح أن تظل منطقة الخليج غير مستقرة لعدة عقود قادمة، ويمكن أن تكون إيران مصدرًا لعدم الاستقرار، حيث إنها تعد نفسها القوة المهيمنة التي يحق لها أن تؤدي دورًا متناسبًا في المنطقة، وتقاسم حقول النفط والغاز البحرية الكبرى مع دول الخليج يعني أن إيران ودول الخليج لديهما نقاط احتكاك محتملة، لذلك فإن الوجود العسكري الأمريكي، وخاصة قدرات القوات البحرية والقوات الجوية، في العديد من دول الخليج يعتبر ردعًا حاسمًا للطموحات الإيرانية الممكنة.
إثارة النعرات الطائفية
بعد زوال خطر الاتحاد السوفيتي كان لزامًا على الولايات المتحدة أن تجد لها مبررًا للتواجد العسكري في المنطقة، فوضعت استراتيجية واضحة لتبرير هذا التواجد من أجل الاستحواذ على أرصدة وثروات دول الخليج، ونجحت في ذلك عبر عقود من خلال التواجد العسكري في هذه الدول، واستخدمت في سبيل ذلك أدوات عدة من بينها إثارة الهواجس الأمنية كالحروب الإقليمية المحتملة أو إثارة النعرات الطائفية أو ما يمكن أن يهدد عروش ملوك وأمراء الخليج، واستطاعت اختراق الأمن القومي الخليجي لضمان السيطرة على مقدراتهم.

وترجمت الولايات المتحدة هذه الأدوات على أرض الواقع فورطت المنطقة في حروب مفتوحة بداية من حرب الخليج الثانية بعد احتلال صدام حسين للكويت، والحروب التي تلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر والحرب على تنظيم القاعدة في أفغانستان والغزو العراقي، والحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي المشكوك في كونه صناعة للمخابرات المركزية الأمريكية لتبرير التوغل الأمريكي في المنطقة،
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقامت الولايات المتحدة بتأسيس قواعد عسكرية لها في دول المنطقة، في محاولة لتفتيت هذه الدول وتكريس تبعيتها لها، واستنزفت أموالًا طائلة من دول الخليج العربي عبر صفقات السلاح الأمريكية لمواجهة الخطر الإيراني، وهو ما يعد عملية ابتزاز واضحة لحكام الخليج لنهب ثرواتهم مقابل الحماية من هذه المخاطر كافة.
وتعد الولايات المتحدة الخليج العربي منطقة مصالح أمريكية بالدرجة الأولى، لذلك فإن أمن هذه المنطقة خاضع للرؤية الأمريكية، وعليه استضافت دول مجلس التعاون عددًا من القواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها.
يبدو أن القفزة النوعية في الاحتياط البترولي العالمي وصراع الدول الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية لإيجاد مناطق نفوذ للسيطرة على العالم وظهور الحرب الباردة بين القوتين الكبريين وولوج عظمتها في الستينيات؛ أدى إلى اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية في معرفة المخزون العالمي البترولي ومعرفة العمر التقديري في كل بقعة من العالم. وبهذا الصدد نشطت مجلة (ميد) ومجلة (نفط العالم) البريطانيتين في وضع الدراسات النفطية والبحث في شؤونها ومعرفة الاحتياط العالمي البترولي أول بأول.
في حين كان على الجانب الأخر تحرك أمريكي منذ منتصف الستينيات مختلف تماما؛ لا يؤمن بالسياسة والحوار؛ بل هدفه يتضمن كيفية تواجد القوات الأمريكية في المنطقة للمحافظة على أبار البترول. على أية حال مع حلول عام 1990م أصبح احتياط البترول العالمي 959 مليار برميل؛ حصة منطقة الخليج العربي منها 642.53 مليار برميل أي ما يعادل 67% من إجمال الاحتياط البترولي العالمي. وهنا لا بد أن نبين أن حصة العراق وصلت إلى حوالي ما يعادل 13% والكويت 10%.
وتشير الدراسات الحالية الصادرة من مجلة (ميد) البريطانية في غضون فبراير 2002م إلى أن الاحتياط العالمي للبترول وصل إلى 1332 مليار برميل يشكل الخليج العربي منها ما يقارب 77% والولايات المتحدة الأمريكية 3% والاتحاد السوفيتي 7%. وللعراق فيها حصة قُدرت بحوالي 17.3% والكويت 12.4%؛
وتوقعت الدراسة أن يكون احتياط العراق العالمي من البترول حوالي 26.2% في غضون عام 2010؛ والكويت ما يقارب 13.1% والسعودية 19% والبحرين 0.8% وقطر 4.4% والإمارات 8.3% وسلطنة عمان 4.7% وإيران 8.4%. وبذلك يكون احتياطي البترول العالمي مع حلول عام 2010م لمنطقة الخليج العربي بواقع 84.9%(12-السلاح والخبز).
اعتمدت الولايات المتحدة في استراتيجيتها العسكرية في الشرق الأوسط قبل عام 1980 -التي أعلنها الرئيس الأمريكية السابق جيمي كارتر خلال خطاب حالة الاتحاد السنوي أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأمريكي في 23 يناير 1980- على ركيزتين، الأولى: إيران قبل ثورة الخميني والمملكة العربية السعودية، لتأخذ زمام المبادرة للدفاع عن منطقة الخليج العربي، من الاتحاد السوفيتي وأنظمة عملائه في العراق وسوريا وجنوب اليمن، إلا أن الثورة الإيرانية عام 1979، هدمت أحد الركائز، وزاد الغزو السوفيتي لأفغانستان في ديسمبر 1979 من التهديد السوفيتي للخليج.
وقد أعلن الرئيس الأمريكي السابق، جيمي كارتر، في يناير 1980 أن الولايات المتحدة سوف تتخذ إجراءات عسكرية للدفاع عن دول الخليج العربي الغني بالنفط من العدوان الخارجي، وهو التزام عرف باسم “عقيدة كارتر” في عام 1980، حيث أمر بإنشاء فرقة العمل المشتركة الانتشار السريع، تمهيدًا للقيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، التي أنشئت في يناير 1983.
حتى أواخر الثمانينيات، كان الغزو السوفيتي المحتمل لإيران يعتبر التهديد الأكبر الذي تواجهه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أصبح النظام العراقي الذي كان يقوده- آنذاك- صدام حسين هو التهديد الرئيسي للاستقرار الإقليمي، وكان العراق قد غزا الكويت في أغسطس 1990، وقد ردت الولايات المتحدة في يناير 1991 بزعامة ائتلاف دولي يضم أكثر من 30 دولة لطرد القوات العراقية من الكويت، وأمرت اللجنة الأمريكية بمساهمة الولايات المتحدة لأكثر من 50 ألفًا من الأفراد العسكريين في القوات المسلحة للتحالف، التي بلغ مجموعها أكثر من 90 ألفًا، وهذا يمثل ذروة انتشار القوات الأمريكية في الشرق الأوسط.
وأدت حرب الخليج الثانية إلى تحول كبير في منظومة التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، لا سيما منطقة الخليج العربي، حيث قُدمت لها تسهيلات واسعة النطاق في قواعدها ومحطات وموانئ ومطارات ومعسكرات من معظم دول المنطقة التي تربطها علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، وأدى ذلك إلى تزايد عدد القواعد العسكرية بصورة غير مسبوقة.
ومنذ الانسحاب من العراق، واصلت الولايات المتحدة الحفاظ على عدد محدود من القوات في الشرق الأوسط، ويقع معظم هؤلاء الموظفين في بلدان مجلس التعاون الخليجي، واعتبارًا من أكتوبر 2015، كان حوالي 35 ألف من الأفراد العسكريين الأمريكيين يعملون في الشرق الأوسط، ولم يتم الإعلان عن تصرفهم الدقيق بسبب الحساسيات السياسية في المنطقة.
كما أن هناك مصادر أخرى تضاهي أهمية البترول في منطقة الخليج العربي تتصدر دولة قطر السيادة فيه؛ هو احتياط الغاز الطبيعي. حيث سوف يصل مع حلول عام 2010م إلى 45.6% من إجمالي الاحتياط العالمي.
ولعل المهم الذي يمكن أن نستنتجه من خلال هذا الكم الهائل من الأرقام العلمية المتعلقة باقتصاديات البترول في منطقة الخليج؛ أن هناك بعض الدول بات احتياطيها البترولي العالمي في ازدياد مضطرد
ويمكن حصرها من خلال الدراسات البترولية المهتمة بمثل تلك مواضيع؛ بالعراق والكويت فقط. في حين أن بقية دول المنطقة بدأ احتياطيها البترولي بالهبوط ولو في بعضها قد يبدو طفيفا دون الحقيقة إذن إن الهبوط كنسبة مئوية بمليارات البراميل.
وهنا لا بد أن نشير إلى نقطة مهمة تتلخص بأن عموم المنطقة سيشكل بترولها لاحقا عصب الحياة العالمي. بعد أن بات احتياطيها البترولي في ازدياد مستمرا قياسا باحتياطي الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأخرى التي تشير الدلائل أن احتياطيها بدأ بالنزول منذ إنتاج أول برميل بترولي. فاحتياط البترول للولايات المتحدة الأمريكية عالميا قد وصل الى 3% مع اطلالة عام 1990م.
السيطرة على المنطقة العربية
ويعتقد انه سوف يبدأ بالنزول 0.3% كل سنة؛ إذ يعني رياضيا انه خلال العشر سنوات القادمة سوف يكون احتياطي الولايات المتحدة الأمريكية ما يقارب 0%؛ بعد أن عجزت الشركات البترولية في البحث عن وجود البترول في المناطق الأمريكية. وهو ما قد يسبب كارثة لها لاعتماد صناعاتها ومدنيتها اعتمادا كليا على البترول الذي قد يهدد نضوبه بانتهائها. وبالتالي فإننا نستنتج أهمية منطقة الخليج العربي
وضرورة السيطرة عليها لحماية بقاء تدفق البترول للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها؛ إذا ما علمنا أن العمر التقريبي للبترول فيها قد يصل إلى ما يقارب 300 سنة ميلادية. وهذه حقيقة يمكن استنتاجها من اهتمامهم بالسيطرة على منطقة الخليج وبناء الاحتياط البترولي الاستراتيجي من جانب ووقف إنتاج البترول من الآبار الأمريكية تحت ذريعة أن استخراجه يكلفهم أكثر مما لو استورد من الخليج العربي في السعر الحالي
وهو ما لا صحة لها تجاريا على اقل تقدير. وهكذا نرى أن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية قد بدأت تأخذ دورا مهما في السيطرة على المنطقة العربية مع إطلالة السنة الأولى من ستينيات القرن العشرين.
بعد أن اتضح لها ومنذ كانون الأول 1957م أن زعماء حلف الناتو الأوربيون في اجتماعهم هذا ربما يخرجونهم من الاستراتيجية الدولية رغما. كما أن المشروع الفرنسي الايطالي ضد بريطانية وأمريكا الداعي للسيطرة الأمريكية على حلف الناتو العسكري ما هو إلا دفع جديد للولايات المتحدة الأمريكية للتفكير في أهمية المنطقة وكيفية السيطرة عليها لضمان السيطرة على اقتصاديات العالم.
وسوف نرى في الفصل القادم مغزى التطورات العسكرية الأمريكية في هذه المنطقة(12-السلاح والخبز).
فالحقائق البترولية التي تم وضعها بصورة مختصرة سلفا؛ كانت الولايات المتحدة الأمريكية تترقبها عن كثب وتتخذ حلا لكل خطوة بعد خطوة وتحرص على انجازها بنجاح؛ كي لا تفاجـئ بما لا يحمد عقباه. ولعلها بدأت تفكر مليا مع عام 1965م عندما أقدمت على إنشاء قواعد عسكرية مصغرة لحماية منشأتها النفطية في المملكة العربية السعودية.
إلا أن الصورة الجدية في العمل الأمريكي بدأ يأخذ صوره الحقيقة بعد حرب عام 1967م؛ عندما صرح رئيس الوزراء العراقي السابق طاهر يحيى بضرورة استعمال البترول كسلاح. وكان الغرض من هذا التصريح في حينه؛ إيقاف دعم الغرب للعدو الصهيوني وإجباره على الانسحاب من الأراضي المحتلة في هزيمة 1967م. وهو تصريح لاقى إعجاب الساسة العرب حينذاك؛ وأعطاه الرئيس الراحل جمال عبدا لناصر أهمية قصوى. ولكن تنصل بعض دول الخليج العربي من هذه المهمة من جهة؛ وعمل الولايات المتحدة الأمريكية من جهة اخرى على تفتيت هذا المبدأ من خلال تغيير بعض انظمة الحكم بانقلابات عسكرية؛ غَيّر المفهوم من طرح سياسي الى ضرورة لا بد من العمل على احتوائها.
ولعل حرب اكتوبر وما انجزه الجيش العربي من انتصار على الجبهات القتالية ولو نسبيا؛ وتصاعد صحيات الشارع العربي بإيقاف تدفق البترول العربي وضرورة سيطرة العرب على اسعار البترول سيطرة تامة؛ كان هو الاساس الذي غَيّر الاستراتيجية الغربية نحو منطقة الخليج العربي بصورة مذهلة.
اذ عملت الولايات المتحدة الامريكية على تغيير سياستها الاستراتيجية تجاه منطقة الخليج العربي. واصبحت من خطة استراتيجية لعملية احتواء التصدع وحماية الانظمة؛ الى خطة استراتيجية اكثر خطورة واهمية اذا ما علمنا انها تتلخص في ضرورة بناء الخطوط العسكرية المرنة لحماية البترول وتدفقه. وهذا المفهوم تخلله سياسات اخرى سوف نجيء على شرحها لاحقا.
ولعلنا هنا نرى ان الجانب الاقتصادي قد لعب دورا جبارا في تجنيد السياسة العسكرية الامريكية لصالح السيطرة على البترول في المنطقة. ولا بد من ان يكون للسلاح النووي وتطوره الدور الجبار في اثبات التفوق الامريكي والسيادة الامريكية. مما ادى ذلك الى رسم خطوط ذات اهمية بمستقبل المنطقة ليتم تنفيذها على مراحل دون ترك أيا منها.
لتتمكن الولايات المتحدة الامريكية من ديمومة حضارتها وسيطرتها على العالم من خلال استمرار تدفق عصب الحياة الرئيسي. هذه المامة سوف تدخلنا في الفصول القادمة لمعترك كبير ادى الى ضياع بلدننا وثرواتنا لسوء الفهم السياسي الذي يمتلكه من يقود دولنا.
حجم القوة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط
وفي تقرير عن القوة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط نشرته مؤسسة “هيرتاج” الأمريكية للأبحاث والدراسات كانت نتائجه على النحو التالي:
الكويت: يبلغ عدد أفراد القوات الأمريكية في الكويت حوالي 000 15 فردًا، وتنتشر هذه القوات بين معسكر عريفجان وقاعدة أحمد الجابر الجوية وقاعدة علي السالم الجوية، ويجري عادة نشر سرب من المقاتلين ونظم صواريخ باتريوت إلى الكويت.
الإمارات العربية المتحدة: وفقًا للمسؤولين الإماراتيين والأمريكيين، فإن حوالي 5000 من أفراد الولايات المتحدة، معظمهم من القوات الجوية الأمريكية، تتمركز في قاعدة الظفرة الجوية، وتتمثل مهمتها الرئيسية في الإمارات في تشغيل المقاتلين والطائرات بدون طيار وطائرات إعادة التزود بالوقود وطائرات المراقبة، كما نشرت الولايات المتحدة بانتظام طائرات مقاتلة من طراز F-22 رابتور إلى الظفرة، وتنتشر أنظمة صواريخ باتريوت للدفاع الجوي والصاروخي.
سلطنة عمان: منذ عام 2004، لم تستخدم المنشآت العمانية لعمليات الدعم الجوي في أفغانستان أو العراق، وانخفض عدد الأفراد العسكريين الأمريكيين فى عمان إلى حوالى 200 فرد معظمهم من القوات الجوية الأمريكية، ويمكن للولايات المتحدة أن تستخدم- مع إشعار مسبق ولأغراض محددة- المطارات العسكرية في عمان في مسقط (العاصمة)، ثمريت، وجزيرة مصيره.
البحرين: يذكر أن أقدم وجود عسكري أمريكي في الشرق الاوسط موجود في البحرين، وحاليًا يوجد حوالى 7 آلاف جندي أمريكي هناك، ويذكر أن البحرين هي موطن لنشاط الدعم البحري والأسطول الخامس الأمريكي، لذا فإن معظم العسكريين الأمريكيين هناك ينتمون إلى البحرية الأمريكية. ووقعت الولايات المتحدة مؤخرًا على برنامج بناء عسكري بقيمة 580 مليون دولار لتحسين رصيف سلمان، وهناك عدد كبير من أفراد القوات الجوية الأمريكية يعملون من قاعدة الشيخ عيسى الجوية، حيث F-16s وF / A-18s ، وتمركز طائرات المراقبة من طراز ف -3، كما يتم نشر أنظمة صواريخ باتريوت أمريكية في البحرين، ويعتبر ميناء خليفة بن سلمان للمياه العميقة أحد المرافق القليلة في الخليج التي يمكن أن تستوعب حاملات الطائرات الأمريكية.
المملكة العربية السعودية: سحبت الولايات المتحدة الجزء الأكبر من قواتها من المملكة العربية السعودية في عام 2003، ولا تتوفر سوى معلومات قليلة عن عدد الأفراد العسكريين الأمريكيين الموجودين هناك حاليًا، ومع ذلك، تتواجد عناصر من الجناح الجوي الأمريكي 379، جنبًا إلى جنب مع بعثة التدريب العسكري الأمريكية منذ ستة عقود إلى المملكة العربية السعودية، ومكتب مدير برنامج تحديث الحرس الوطني السعودي منذ أربعة عقود، ومكتب مدير البرنامج – قوة أمن المرافق.
بالإضافة إلی ذلك، ذكرت تقارير إعلامية بأن الحکومة الأمریکیة تشغل قاعدة سریة للطائرات بدون طیار في المملکة العربیة السعودیة، وهي تطلق منها طائرات بدون طیار ضد مسلحین في الیمن، وهناك أیضًا تقاریر عن وجود قاعدة أمریکیة علی جزیرة سقطرى الیمنیة، ساحل الصومال، وتستخدم لعمليات مكافحة الإرهاب قبالة القرن الأفريقي واليمن.
قطر: ينتشر آلاف الجنود الأمريكيين في قطر، معظمهم من القوات الجوية الأمريكية، وتقوم الولايات المتحدة بتشغيل مركز عملياتها الجوية المشتركة في قاعدة العديد الجوية، التي تعد واحدة من أهم القواعد الجوية الأمريكية في العالم، وتحتوي القاعدة على مدرج للطائرات يصنف من اطول الممرات في العالم كونه يستقبل أكثر من 100 طائرة على الأرض، كما يمكن استخدام هذه القاعدة في عمليات جوية وإمدادات وتستطيع إيواء 130 طائرة وعشرة آلاف رجل.
كذلك هناك قاعدة السيلية التي تتميز بوجود مخازن للأسلحة الأميركية هي الأكبر من نوعها، ويتواجد بها 3000 جندي أمريكي، واستخدمتها الولايات المتحدة إبان حربها ضد أفغانستان والعراق.
كان لا بد للولايات المتحدة الامريكية من ان تستغل غباء صدام حسين وحزب البعث اللذان يقودان السلطة في العراق لتعميق الشق في الداخل العربي والعمل على انقسامات جوهرية تؤدي بالنتيجة الى الافتراق العربي. وصولا الى اعتماد كل دولة على علاقاتها الخارجية وتحالفاتها التاريخية لصد اي عدوان.
فكانت مهزلة وقوع صدام في الفخ واقدامه على اجتياح الكويت قد جسد مرحلة بداية الانهيار للمنطقة العربية والخلاص من عناد المكون العراقي لتمرير المخطط الامريكي. ولعل البوابة الرئيسية التي اتخذت طابعا دوليا شموليا اكثر منه امريكيا بريطانيا كان في خيمة صفوان؛ عندما وافق مبعوثو صدام حسين على بنود الاتفاق دون ان يفقهوا مردوداته الاساسية(10-السياسة الامريكية).
خيمة صفوان
ولعله كانت خيمة صفوان نقطة الانطلاق لانهيار المنطقة وترتيبها ترتيبا جديدا يتلاءم مع معطيات المرحلة القادمة اذا ما قرأنا بإمعان التنازلات التي قدمها العسكر من اجل بقاء نظام الحكم غانما سالما على ركام اهات ومعاناة الشعب العراقي.
وبدأت الولايات المتحدة الامريكية تضغط بلجان التفتيش على النظام العراقي لا يقاف حركة التطور العراقي من جهة واذلاله بالحصار من جهة اخرى ليوافق مستقبلا على اي حل لمشكلته. وكان في الجانب الاخر عملا سياسيا عراقيا معارضا يعمل لتبرير ما تقترفه الولايات المتحدة الامريكية من اعمال وحشية تجاه الشعب العراقي؛
ويضفي عليها طابع الشرعية الدولية لقاء حفنة من الدولارات. فحين بدأ يتضح للعالم مدى اجحاف العقوبات على العراق وحصار شعبه اقتصاديا وتمتع النظام بايامه الخوالي كانت اصوات الساسة الكبار واحزابهم السياسية الكبرى تجهض صوت كل عراقي يدعو الى فك العقوبات الاقتصادية وابدالها بمحاصرة النظام دبلوماسيا ودوليا.
ومنذ ان بدأ التفتيش في العراق دأبت الولايات المتحدة الامريكية على تهيئة مستلزمات المرحلة القادمة. وكانت هذه المرحلة تعتمد دون شك على البعد السياسي المعارض للنظام وبصورة علنية. ويبدو ان الولايات المتحدة الامريكية ارادت من ذلك ان تشعر نظام صدام حسين باننا قادرين على ابدالك بغيرك مثلما اتينا بك.
ناهيك عن ان حركة المعارضة العراقية قبل دخول صدام الى الكويت كانت هزيلة ضعيفة لا وجود لها تقريبا. ويكمن ذلك في عدة اسباب مهمة اولها دعم العرب في حينها الى نظام صدام حسين فلم تعطِ هؤلاء المعارضين اية اهمية.
وثانيها ان تلك الاحزاب القليلة المعارضة كانت تعويلية الداء؛ اي انها تعول نجاحها وخلاصها من النظام على غيرها الاتي من خارج اسوار العراق. فهي وقيادتها غير الكفؤة كانت تتمنى ان يتم سقوط صدام من خلال الحرب العراقية- الايرانية.
وعند الانتهاء من تلك الحرب وتوقيع معاهدة السلام ووقف اطلاق النار بين البلدين المتحاربين كادت تلك المعارضة ان تنحسر بعد ان تم شقها لعدة اتجاهات. فوجدت الولايات المتحدة الامريكية الوحل الذي وقع فيه هؤلاء ومرض الفشل السياسي احسن فرصة لتجنيدهم لمخططها المستقبلي وان طال ولكن بقيادات ترتأيهم هي.
فعلى الرغم من اجتماعات المعارضة العراقية تحت لافتات عديدة خلال السنة الاولى ونيف من الاشهر لما بعد احتلال الكويت وتهافتهم على كسب الاموال من السعودية والدول الخليجية الاخرى لم يتمكنوا من ترتيب حالهم. فجاءت الترتيبات من الولايات المتحدة الامريكية من خلال فرضها شخصية غير سياسية فاشلة مهنية وتتمتع بسمعة فاسدة محكومة في قضايا فساد لتجعلها شخصية قيادية. ولعب محمد بحر العلوم وليث كبة وهاني الفكيكي وغيرهم دورا كبيرا في تسويق احمد الجلبي لينطلق تحت عباءته مؤتمر فينا عام 1991م ليقود اللواء الامريكي الذي اوصلنا لما نحن عليه الان(73-الجزيرة).
كان مؤتمر فينا وانضمام الفصيلين الكرديين والمجلس الاعلى وحزب الدعوة والحزب الشيوعي وغيرهم من الاحزاب ذو قوة جماهيرية كبيرة كما يبدو للاعيان. ولكن الحقيقة كانت غير ذلك اذ ان سيرته وترتيباته وانعقاده كان من لدن واشراف مخابرات الولايات المتحدة الامريكية؛ وكنا نشاهد تدخلهم العلني حتى في نصوص البيانات وكيفية الانتخابات والترشيحات. فكانت نتيجة هذا المؤتمر الذي اصبح اساسا لتدمير العراق وتفتيته هي المحاصصة الطائفية والعرقية.
وعلى الرغم من رفض الكثير ممن يهمهم استقلال العراق وانفرج كربه ما حدث في اروقة المؤتمر من انتهاكات؛ الا ان ما ارادته الولايات المتحدة الامريكية صار وبإصرار من الاطراف الكبيرة في المؤتمر. ومنذ ذلك الحين عرفنا ان العراق مقبل على تهميش وسوف يكون التقسيم الطائفي هو الدلالة المستقبلية لأي عمل سياسي مستقبلي.
لقد تمكنت الولايات المتحدة الامريكية بنجاح من رسم معالم العراق الذي تريده مستقبلا منذ اول يوم لأيام مؤتمر فينا؛ وذلك من خلال المقررات والشخصيات التي فرضتها كقيادة له. وصاحب مقررات مؤتمر فينا وبدعم امريكي تأسيس ثمانية وعشرين حزبا سياسيا خلال ثلاثة اسابيع. وذلك لا ضفاء طابع الشرعية على المؤتمر وتوجهاته من كثرة الاحزاب التي توافدت عليه والتي بعضها لا يتعدى المنتمين فيه عدد اصابع يد واحدة.
عمق مسألة الطائفية واهدافها المستقبلية في العراق
هكذا كان السياق السياسي في القضية العراقية من قبل الولايات المتحدة الامريكية. فما ان انفض مؤتمر فينا حتى عقد بعد اقل من سنة مؤتمرا في اربيل؛ ذلك المؤتمر الذي عمق مسألة الطائفية واهدافها المستقبلية في العراق؛ وصاحب المؤتمر النتائج والتطورات التالية التي يمكن حصرها بما يلي:
1. تجنيد القيادات البعثية التي تركت العراق بعد احداث 1991م لتنخرط تحت مظلة ما يعرف بالمؤتمر الوطني العراقي وارتباطهم مباشرة بأحمد الجلبي(39-كتابات).
2. تأسيس اربعة مقرات لوكالة المخابرات الامريكية وسبع مقرات للاستخبارات الامريكية لترتبط مباشرة مع شخصيات واحزاب المعارضة العراقية التي هي جزء من مؤتمر اربيل(39-كتابات).
3. تجهيز بعض الاحزاب السياسية العراقية بأجهزة استقبال وتنصت ترتبط مباشرة بدوائر المخابرات والاستخبارات في الولايات المتحدة الامريكية(39-كتابات).
4. تقرير منح الاحزاب العراقية التي تنضوي تحت المؤتمر الوطني مواقع في شمال العراق وتدعم بكافة تجهيزاتها العسكرية والمالية من قبل الولايات المتحدة الامريكية(39-كتابات).
5. فتح معسكرات تدريبية تشرف عليها الولايات المتحدة الامريكية وتدعمها عسكريا وماليا(39-كتابات).
6. ترشيح كل حزب عدد من عناصره تحدد نسبهم فيما بعد لغرض التدريب في قواعد الولايات المتحدة الامريكية خارج منطقة شمال العراق(39-كتابات).
7. عدم الاعتراف باي تشكيل سياسي او نشاط سياسي لاية شخصية سياسية مهما كان تاريخها خارج مظلة المؤتمر الوطني والايعاز الى دول الجوار في التحفظ في التعاون معهم(39-كتابات).
كانت هذه الاتفاقات السرية التي تمخض عنها مؤتمر اربيل وشيوعها في الساحة العراقية السياسية خارج اسوار النظام السفاح قد تواترت. وبدأ الكل يتهم الكل في الوصول الى الحالة وبات كل منهم يتخوف من الانسحاب كي لا يفوته قطار التغيير. فما اشيع عن ان هذا الحزب قد انسحب او هذه الشخصية قد انسحبت لا صحة له.
لكون الواقع كان يبين عكس ذلك وتمكن العراقيون من معرفة انها مسألة ادوار لا بد لكل حزب من الاحزاب السياسية ان يلعبها من خلال توقيف نشاطه وزج بكبار شخصياته في داخل اللعبة تحت مسميات كثيرة.
ولقد حرصت الولايات المتحدة الامريكية على اعطاء مؤتمري فينا واربيل ونشاط الاحزاب المشاركة فيه اهمية كبيرة. الغرض من ذلك العمل على تهميش اي دور وطني لشخصيات رفضت الانخراط في بوتقة المشروع الامريكي. ومع ذلك كانت تزج بين الحين والاخر بشخصيات تعتمد عليها في مخططها المستقبلي لا فشال اية محاولة لا يقاف سيطرة الولايات المتحدة الامريكية على الشارع السياسي العراقي. ولكن هذه الحالة لم تدم طويلا فسرعان ما لاحظت الولايات المتحدة الامريكية ان هناك مدا جماهيريا عراقيا من القاعدة البسيطة التي عانت من النظام الصدامي الفاسد تنخرط بمجاميع كبيرة في المعسكرات المشيدة في اربيل والسليمانية.
وان هؤلاء بدأوا يطالبون قياداتهم بضرورة الزحف نحو بغداد اذا كانت الولايات المتحدة الامريكية ذات مصداقية في حمايتهم من طائرات النظام. وعندما وجد احمد الجلبي واعضاء مؤتمره انهم لم يتمكنوا من ايقاف تلك الجموع؛ حصلت مهزلة 31 اغسطس/اب 1996م التي تمخض عنها دخول القوات العراقية الى اربيل وبطلب رسمي من مسعود البرزاني واكتسحت المعسكرات والقت القبض على المبدأين منهم وارسلتهم الى بغداد.
وللاسف ساهم في هذه العملية بعض الاحزاب المنظوية تحت راية المؤتمر وبطلب امريكي(39-كتابات). كانت مهزلة اربيل عام 1996م قد كشفت اللعبة الامريكية؛ اذ قامت وكالة المخابرات الامريكية والبتاجون باجلاء 3400 فرد من العراقيين العاملين تحت لوائها؛ بالاضافة الى شخصيات قيادية في المؤتمر كشفتهم الصحافة الامريكية في حينها ومنهم محمد عبدالجبار شبوط؛ موفق باقر (الربيعي)؛ محمد بحر العلوم؛ نبيل الموسوي؛ نوري البدران؛ رياض القرغولي؛ اراس حبيب؛ جودت العبيدي؛ عبدالحليم الرحيمي(الرهيمي)؛ حامد البياتي (طالب الاصفهاني) (39-كتابات).
بعد هذه المهزلة كان لا بد للولايات المتحدة الامريكية من ان تغير التكتيك وليس الاستراتيجية؛ فعملت خلال السنوات الاربعة فقط على جمع المعلومات من داخل العراق بالاعتماد على الاحزاب المنخرطة تحت راية المؤتمر الوطني. وقد تم صرف اموال كثيرة لترويج هذا الامر دون متابعة حثيثة من الولايات المتحدة الامريكية عن صحة المعلومات من عدمها. ولكن لم يتوقف المؤتمر عن اجتماعاته الدورية ومده وجزره مع الاحزاب الاخرى؛ ولوحظ ان في كل اجتماع او لقاء كانت الطائفية تلعب دورا كبيرا. ولعل الملفة للنظر في غضون هذه الاحداث التي جمدت فيها الولايات المتحدة الامريكية نشاطاتها لاسقاط النظام الحاكم هو ان ادارة كلنتون وجهت الى مؤسسة راند الامريكية المتخصصة بالاستراتيجيات الشرق اوسطية طلبا لدراسة وضع العراق المستقبلي.
خلصت الدراسة التي اجراها الكاتب الاستراتيجي المخابراتي الامريكي كراهام اي فولر المسماة ” العراق في العقد القادم: هل سيبقى العراق لغاية عام 2002م” الى نتيجة مفادها انه اذا استمرت الولايات المتحدة الامريكية في تطبيق تصورتها المستقبلية نحو العراق؛ فانه سوف لا يبقى العراق عراقا حتى عام 2002م.
. وسوف يصاحب العراق تقسيما ما بين 4-6 ولايات صغيرة يمكن السيطرة عليها بسهولة. كما اضافة الدراسة؛ ان على الولايات المتحدة الامريكية ان لا تفرط بالشخصيات التي تعاملت معها وان تحتضنهم ليتمكنوا من القيام بمهام مصيرية؛ تجعل الولايات المتحدة الامريكية في المستقبل الدولة الوحيدة التي لها الريادة والسيادة في المنطقة(38-الاهرام).
وبالنتيجة نحن الان نرى مدى اصرار الولايات المتحدة الامريكية على ابقاء تلك الشخصيات قيادات مستقبلية للعراق لتتحق نتائج دراسة الباحث كراهام بحذافيرها.
خضعت دراسة فولر الى تطبيق شديد من قبل ادارة كلنتون ما بين عام 1996م ولغاية 1998م. ويبدو انها استشارت بعض الدول المحيطة في العراق؛ وابدت تلك الدول عدم ارتياحها لتلك الفكرة التي تعتبر احد بنود المخطط الاسرائيلي للوصول الى المنطقة. وبادرت بعض الدول تحرك شخصيات عراقية لا جهاضها ولكن بدون تخطيط او وضوح.
ولعل من تلك الاطروحات هي وصول عدنان الباججي الى لندن في تك الفترة والالتقاء بشخصيات عراقية سياسية يدعوهم لعدم المنادات بسقوط صدام بل ابداله بابنه قصي. الا ان هذا المقترح جوبه بالرفض وعدم النضج السياسي عند الباججي؛ حيث كنا نصر على ضرورة ان يسقط النظام بايدي عراقية ويحاكم ضمن القانون الجنائي العراقي هو ومن معه من الذين قد يثبت ارتكابهم جرائم بحق العراقيين. ومع التوجهات العربية لا جهاض الخطة الامريكية كان هناك عمل شاق دأبت عليه الولايات المتحدة الامريكية منذ صيف عام 1997م.
تمخض هذا العمل برصد اموال طائلة عن طريق المؤتمر الوطني لفتح مؤسسات اعلامية وثقافية عراقية مدنية. فشهدت الساحة في وقت واحد صورة غير طبيعية لما يسمى بجمعيات التحول المدني. والواقع هذه حالة حضارية لا بد منها ولكن ليس بالصورة التي تريد منها الولايات المتحدة الامريكية خدمة مصالحها وتنفيذ مخططاتها. على اية حال كان لهذه الجمعيات نشاط ملحوظ ودعم مادي كبير. وبالفعل تم من خلالها طرح عدة بحوث تخدم التحول الامريكي في المنطقة ضمن اعادة برمجة الدولة العراقية (47-الشرق الاوسط) .
ماذا تهدف الولايات المتحدة من هذه القواعد؟
تؤكد تقارير صحفية في هذا الشأن أن الولايات المتحدة تضمن عبر هذه القواعد الحصول على أهداف عدة يمكن رصدها على النحو التالي:
– الحفاظ على أمن واستقرار الاحتلال الإسرائيلي من أي محاولة اعتداء خارجية.
– دعم الحكومات الموالية للولايات المتحدة والدفاع عنها عسكريًا ضد أي تهديد من قبل أي دولة تعارض التواجد الأمريكي في المنطقة.
– تأمين طرق عبور مصادر الطاقة من المنطقة لمختلف دول العالم وهو ما يتطلب الحفاظ على حرية الملاحة في المياه الدولية بما في ذلك مياه الخليج، وبالتالي ضمان بقاء مضيق هرمز مفتوحًا لتدفق البترول وهي مسألة استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة.
– مراقبة أنشطة إيران العسكرية والنووية ومحاولة ردع أي تهديد إيراني لدول الخليج سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال الحركات الموالية لطهران في المنطقة، والحديث هنا عن تواجد نحو 125 ألف جندي أمريكي على مقربة من إيران، بينهم نحو 20 ألفًا موزعين على السفن البحرية الأمريكية في المنطقة.
– دعم الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة وحمايتها من أي محاولة للإطاحة بها.
أخيرا هل تأتي استضافة دول الخليج العربي للقواعد الأمريكية على أراضيها نتيجة إيمانها بمبدأ عدم قدرتها على الدفاع عن نفسها بمفردها، وحماية لها من أطماع جيرانها، -لا سيما وأن التهديدات الخارجية تتزايد يوما بعد يوم، في ضوء التهديدات الإيرانية لدول المنطقة، وفي ضوء الحرب التي يشنها التحالف العربي بقيادة السعودية وتشارك فيه الإمارات ودول أخرى في وجه تهديدات ميليشيات الحوثي اليمنية المدعومة من إيران، التي وصلت لحد إطلاق صواريخ تصل مداها العاصمة الرياض في سابقة هي الأولى من نوعها- أم أنه يمكن اعتباره “احتلال أمريكي مقنن” لنهب ثروات الشرق، وضمان للسيادة الأمريكية على دول المنطقة؟. في الجانب الاخر كانت هناك شخصيات اعتمدتها الولايات المتحدة الامريكية؛ واجبها دحض اي عمل سياسي وطني تقوم به ثلة من الوطنين ضد المخطط الامريكي من جانب وضد النظام الصدامي من جانب اخر. فكانت على سبيل المثال اجتماعات كثيرة وعديدة للمستقلين للخروج من هذا الصمت وما يظهره المستقبل. وتمخض احدها عن اعلان سري بتأسيس حركة للمستقلين العراقيين في المهجر في 17 ابريل 1997م؛
واقدمت هذه الحركة على رسم ملامح العراق الجديد بعد سقوط صدام والعمل من الداخل على اسقاطه واعادة برمجة الحياة فيه ضمن الاسس الحضارية الدولية ورفض التدخل الامريكي في شؤون العراق ومحاكمة صدام ومن اجرم بحق الشعب العراقي محاكمة عادلة. كما صاحب هذه المجموعة التي اسسها كل من حسين الشعلان وعبدالامير علوان وجلال البياتي وسامي فرج علي ونوري العبد وقاسم غالي وفائق الشيخ علي (فائق دعبول المرندي)
وفارس الجادر وهيثم الناهي وطالب علي وفلاح شفيع (انسحب بعد اجتماعين) ومحمد نبيل (انسحب بعد اجتماع واحد)؛ دراسات في التكنولوجيا والاجتماع والادارة والسياسة والتربية كنظرة مستقبلية لبناء العراق الجديد(38-الاهرام).
ولكن المشروع قد فشل؛ بعد عمل متناهي لمدة اربعة عشر شهرا عندما تم مناقشة النظام الداخلي للحركة حين اصر فائق الشيخ علي وقاسم غالي على ضرورة اضافة فقرة تنص على ضرورة اقامة علاقات مع اسرائيل. فانسحب كاتب السطور لاعتراضه على الفقرة وعلى تواجد من يفكر بهذا المستوى فانسحب معه فارس الجادر وسامي فرج علي وطالب علي. واستمرت حركة المستقلين اشهر قليلة وفشلت تماما بعد انسحاب جلال البياتي منها لنفس السبب الذي انسحب الاخرون بموجبه.
وتبين فيما بعد ان الكثير ممن كان منخرطا في حركة المستقلين قد زج بهم لافشال الحركة من قبل احزابهم؛ فبعضهم كان من منتميا الى الحركة الملكية الدستورية؛ والوفاق الوطني؛ والمؤتمر الوطني العراقي؛ ومجلس العراق الحر. ومنهم من كان مرتبطا ارتباطا مباشرا بمؤسسات مخابراتية دولية واقليمية هدفها تعطيل اي مشروع عراقي وطني حر(38-الاهرام).
كانت حكومة كلنتون تأسس لترتيبات مدنية سياسية تتماشى مع خط الولايات المتحدة الامريكية لتحقيق اهداف دراسة فولتر. ولكن يبدو ان المسألة بدأت تأخذ اكثر جدية عام 2001م عندما وصل جورج بوش الابن لدفة الحكم واصر على تطبيق خطته المسماة بي “الحرب ذات الرؤوس الاربعة”. ولهذا شهدت ساحة المعارضة العراقية نشاطا كبيرا من جانب ومجلس الامن الدولي من جانب اخر(18-ود ورد).
وبدأت الولايات المتحدة الامريكية تبحث عن متدربين للاضطلاع بمهام الحكم العراقي الجديد كما اسمته. ولعل حرب افغانستان ادت جزءا كبيرا من المهمة, ويمكن ان نستنتج ان الحرب على العراق كانت قادمة لا محالة مهما كلف الامر من خلال التصريحات الامريكية بشؤون العراق والاحداث التي توالت والتي يمكن اجمالها بما يلي:
1. كان دك تشيني نائب الرئيس الامريكي يصرح اننا لا بد من ان ننهي عملية كان من المفترض انهاؤها قبل اكثر من عقد. ويتضح للمتتبع انه لا يقصد القضاء على صدام فقط بقدر ما يريد ان يكمل مخطط السيطرة على العراق والمنطقة(18-ود ورد).
2.تصريحات دك تشيني المتتالية بضرورة البقاء في العراق لمدة اربعة عقود حتى يتغير التفكير العراقي في معاداته لإسرائيل والولايات المتحدة الامريكية(18-ود ورد).
3. تصريحات باول بان الولايات المتحدة الامريكية ستزيل صدام لتبقى هناك ولم تنسحب وتترك العراق الى فوضى وحرب اهلية حسب قوله(18-ود ورد).
4. عمل الولايات المتحدة الامريكية على تجنيد اكثر من 77 الف عسكري غير امريكي ووعدتهم بمنحهم الجنسية الامريكية لقاء المشاركة. وذلك لمنع مأساة فيتنام اذا طالت مدة الحرب وكي لا تكون الخسائر البشرية مؤثرة في الشارع الامريكي(18-ود ورد).
5. العمل على ترويض المنطقة قبل شن الهجوم على العراق واشعارهم بانهم قادمين لا محالة ولا بد ان يرضخوا لهذه الحقيقة. كما عملت ترتيباتها مع الدول العربية والشرق اوسطية الاخرى على اتخاذ التدابير لعدم خروج شعوبهم للشارع والتلويح بمظاهراتهم ضد توجهات الولايات المتحدة الامريكية. وبالفعل شهدت تركيا ومصر والمغرب ولبنان ودول اخرى قمعا للمظاهرات الرافضة للحرب(18-ود ورد).
6. التصعيد الذي صاحب لهجة بوش في تهديد استعمال القوة حتى بدون قرار من مجلس الامن اذا لم يرضخ صدام لقبول المفتشين وتدمير اسلحته. وتهديده الدول الاخرى منذ حرب افغانستان بأن من لم يكن معنا فهو في الخندق الذي يواجهنا.
مما ادى الى تكالب الدول الشرق اوسطية لمنحه الولاء من جهة والطلب بعدم اعلان مساهمتهم ودعمهم اعلاميا حسب ما قال وزير الدفاع الامريكي رامسفيلد للصحافة الامريكية في السابع من اب/اغسطس عام 2002م(18-ود ورد).
7. ضعف الدول الكبرى في مجلس الامن للوقوف امام توجهات الولايات المتحدة الامريكية خوفا من محاصرتها اقتصاديا. بالإضافة الى تفاوض الاخيرة معهم واعطائهم تعهدات بضمان مصالحهم المستقبلية في العراق اذا لم يقفوا امام توجهاتها باتخاذ حق النقض “الفيتو” ضد اي قرار يتخذ بشن الحرب على العراق من جانب وبالضغط على العراق بقبول المفتشين وتدمير اسلحته التقليدية من جانب اخر(18-ود ورد).
8.اعطاء برنامج العراق التسليحي اهمية اكبر من حجمه على الرغم من معرفتهم بعدم امتلاكه له. ولعل التقرير الذي القاه وزير الخارجية الامريكي كولن بول وبدعم من رئيس وكالة المخابرات الامريكية في حينها جون تنت في الثاني عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2002م خير دليل على تلك الاسطورة.
اذ اعترف بأول في العشرين من مايو/مارس 2004م بالأكاذيب التي وردت في التقرير وان الولايات المتحدة الامريكية فقدت الامل في ايجاد اي سلاح تدمير شامل في العراق او قابليته على امتلاكه(18-ود ورد).
لم تمر الا اشهر عديدة من عام 2002م حتى بدأت الولايات المتحدة الامريكية تعد العدة لعقد مؤتمر شامل للمعارضة العراقية. الهدف منه كان تأكيد الطائفية والعرقية التي اقرتها في مؤتمري فينا واربيل واستمرت تروج لها من خلال اعلامها الموجه. وصاحب العمل الامريكي قبل انعقاد المؤتمر ترويض وتدريب وارتباط شخصيات مختلفة لهذا المشروع منها دينية ومنها سياسية ومنها اجتماعية. ولعل من ابرز تلك الشخصيات التي تم تدريبها لتأخذ دورا جديدا في العراق مجيد الخوئي.
اذ كان دوره يستند الى اطروحة تدويل النجف واعتبارها مدينة مقدسة لا دخل لها في سياسة العراق المستقبلية. وكان الهدف من هذا المشروع هو افراغ الشيعة من محتواهم السياسي وارتباطهم بالواقع المذهبي في المناسبات فقط كما هو الحاصل الان مع الفاتيكان. وفي غضون 10-13 كانون الاول/ ديسمبر 2001م تم عقد المؤتمر في فندق هلتن باجور رود بلندن. وحرصت الولايات المتحدة الامريكية على ادخال كل التشكيلات والشخصيات السياسية في هذا المؤتمر. وتمكنت من ان تحشد له حشدا كبيرا وغطته اعلاميا.
وتمكن مبعوث الرئيس بوش زلماي خليل زاده (ذو الاصل الافغاني المتجنس امريكيا) من لعب دور مخابراتي كبير لرسم صورة العراق وما سيحدث وفق مخطط جاهز(37- السامرائي) .
وعلى الرغم من تغيب احزاب وشخصيات كثيرة كالحزب الاسلامي العراقي وحزب الدعوة الاسلامية والحزب الشيوعي الا ان زلماي حرص على لقائهم سرا وتوضيح الامر بضرورة الانضمام للقطار الامريكي. وتم الاتفاق بالموافقة ولكن دون الاعلان عن ما تم الاتفاق عليه. وحرص ايضا على لقاء شخصيات عراقية سياسية معارضة للمؤتمر خارج اطاره لتوضيح ضرورة الالتحاق بعجلة المؤتمر(37- السامرائي).
لقد اصر موفد الرئيس الامريكي لحضور مؤتمر المعارضة العراقية على مقابلتنا لاستيضاح اسباب رفضنا المشاركة في المؤتمر وعدم موافقتنا لما يخطط له من قبل الولايات المتحدة الامريكية. وتمت مقابلته في اروقة فندق هلتن بعد انتهاء المؤتمر بيوم واحد وابلغته في لقائنا؛ اننا لا يمكننا ان نوقف زحف الولايات المتحدة الامريكية تجاه العراق لكوننا لسنا بدولة او نتمتع بقوة تمكننا من مقارعة ذلك.
وعلى الرغم من ان سقوط النظام يمثل اكبر طموحاتنا ولكن على ان لا يكون الثمن هو العراق. كما ابلغناه انه من المؤسف حقا ان يتم تدمير بلد بأكمله وقتل شعب يتكون من ثمانية وعشرين مليونا لإزالة شخص صدام وحفنة من المجرمين معه, وباعتقادنا ان الولايات المتحدة الامريكية لديها اساليب اخرى يمكن اتباعها لا زالته دون اللجوء للحرب. وباعتقادنا ان صدام وحكمه اضعف مما تعتقدون انتم او تروجون له ولو سمحتم باستقلالية المعارضة التي توجهونها لسقط صدام منذ عقد(37- السامرائي).
وعليه فاذا كانت الولايات المتحدة الامريكية مصممة على خوض الحرب فان رفضنا يستند الى ضرورات مهمة يستوجب على الولايات المتحدة الامريكية توضيحها؛ وان تتعهد بالالتزام بها قبل بدأ حربها على العراق. لنكون على الاقل قد وفينا لشعبنا العراقي بعض الشيء. كانت الامور التي طرحناها على زلماي تتلخص بالنقاط الخمس التالية:
1.مدى مصداقية الولايات المتحدة الامريكية بالانسحاب من العراق حال الانتهاء من العمليات الحربية وضرورة وضع جدول بذلك يتم اتفاق فصائل المعارضة والولايات المتحدة الامريكية عليه قبل بدء العمليات(37- السامرائي).
2. ضرورة كشف الولايات المتحدة الامريكية عن نوع السلاح الذي تنوي استخدامه في العراق وعدم تجربة اي نوع جديد لم يجرب من قبل. لكي لا تتلوث المنطقة بالاسلحة الفتاكة مثلما حدث في حرب عام 1991م التي ادت الى مأساة انسانية وامراض سرطانية وتشوهات ولادية نتيجة استعمال اليورانيوم المستنفذ(37- السامرائي).
3.اطلعنا على الملف الذي اعدته الولايات المتحدة الامريكية مع بعض عناصر المؤتمر الوطني العراقي الموسوم ” نحو التغير الديمقراطي في العراق Toward Democracy in Iraq” ووجدنا ان هناك نية لتحطيم مؤسسات الدولة العراقية ومعاملها الخدمية والانتاجية ونحن بدورنا نريد ضمانات بعدم المساس بتلك المؤسسات والحفاظ عليها لا نها تمثل مصادر حية لديمومة الاقتصاد العراقي المستقبلي بالإضافة الى ضرورة ضمان توفر العمل للعراقيين من خلال المحافظة عليها. وسنقوم بتزويدكم بأسماء البعثيين الكبار العاملين في هذه المؤسسات لا لقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة ان اجرموا او ساهموا في فساد الدولة العراقية طيل فترة حكم صدام حسين(37- السامرائي).
4. تقديم صدام وزمرته والذين اقترفوا جرائم بحق الشعب العراقي من البعثيين الى المحاكمة العلنية العادلة في خلال ثلاثة اشهر من سقوط النظام. وفتح مراكز في مدن العراق لجمع المعلومات من المواطنين بالجرائم التي نفذت بحقهم(37- السامرائي).
5. مؤتمر لندن استعمل المحاصصة الطائفية والعرقية ويبدو ان هذا التوجه سوف يؤدي الى عدم استقرار العراق وكتابة دستوره الدائم واقرار القانون كسيد للمجتمع لا يعلوه احد. وسوف تنتهي الامور برأينا الى الفوضى اذا ما استمرت تلك المحاصصة؛ لذا نرتأي ان تكون المحاصصة اذا كان لا بد منها محاصصة عرقية عربي – كردي – تركماني بدلا من خلطها مع بعضها البعض من الطائفية والعرقية. ويجب ان تكون بالاستناد الى الكثافة السكانية وادخال عراقي الداخل في تلك المحاصصة بنسبة 70%. وبعد المحاصصة العرقية تتم في داخلها المحاصصة الطائفية ولو نحن ضد هذا التوجه بالكامل(37- السامرائي).
رفض زلماي نقاطنا الخمسة اعلاه جملة وتفصيلا وابلغنا ان الولايات والمتحدة الامريكية غير ملزمة باعطاء التزامات او وعود لايا كان وان من لم يسير معها في هذا الركب سوف لن تكون له اية مساهمة في بناء العراق الجديد كم اسماها(37- السامرائي).
بدأت بعد مؤتمر اجور رود بثلاثة اشهر تدريبات امريكية لعراقيين مدنيين وعسكريين سابقين وسياسيين محترفين واعلاميين من شتى الطوائف. وكانت مجاميعهم تضم طائفية ايضا؛ ايمانا من الولايات المتحدة الامريكية في تمرير هذا المخطط للاضطلاع بمهام جبارة في حكومة الاحتلال الامريكي للعراق. وكانت فترات التدريب تتراوح ما بين شهر الى ثلاثة اشهر في كل من تكساس وواشنطن وبعضا من وقتها في اسرائيل لبعض الشخصيات التي سوف تأخذ اماكن حساسة. هذه الدورات التي كانت تشمل جميع التخصصات والتيارات وانضم اليها عدد لا يستهان به من المعارضين والمحسوبين على المعارضة العراقية ممن يحمل شهادة وعاطل عن العمل لسنوات فوجد حظه معهم . ونذكر من هؤلاء حسين بركة الشامي ورؤوف الانصاري واحمد السامرائي (الحجية) ومحمد براء الربيعي وعبدالحليم الرحيمي (الرهيمي) وسامي العسكري ومحمد عبدالجبار شبوط وابراهيم بحر العلوم وسعد شاكر ومهدي الحافظ وقاسم داوود وتوفيق الياسري وعدنان الذرفي واحمد الشريفي وباسم الاستربادي وزهير حسن وعمار الصراف وحميد الركابي وازاد شورش وشيرزاد طالباني وعلي خنوش وحامد البياتي وكمال فيلد ونوري لطيف وسعد جواد ورضا جواد تقي وعلي البياتي وسالم اللامي وسعد البزاز ومشعان الجبوري ووفيق السامرائي وعبدالحميد الكفائي ومضر شوكت ونبراس الكاظمي وسعد الجبوري ودلشاد زيباري وصادق الموسوي (طارق مطر)؛ وغيرهم قد تطول القائمة لتصل 1833 شخصية موزعة الان داخل الوزارات العراقية ومؤسسات اصدار القرار التابعة للاحتلال. كانت الدورات تحتوي في محتواها على كيفية الخدمة في اروقة دوائر الاحتلال وكيفية الترويج له عند الدخول للعراق. كما تمكنت الولايات المتحدة الامريكية من تدريب ستة الاف عراقي معظمهم من الاكراد للقيام باعمال ترجمة ومرافقة عسكرية خلال فترة الاحتلال(37- السامرائي).
بدأ الشارع السياسي العراقي يتحدث عن هذه المسألة وكان الاستياء الكبير من مسألة تدريب علماء الدين يأخذ طريقه الى المناقشات. لكون الولايات المتحدة الامريكية كانت تخلق تيارا من علماء الدين في الخارج بزي رسمي الا ان تفكيرهم وعقليتهم تصب في التوجه الامريكي الجديد. وفي احدى صلاة الجمعة المقامة في دار الاسلام بلندن في شباط عام 2003م صرح في خطبته حسين بركة الشامي داعيا العراقيين للجهاد مع القوات الامريكية لتحرير العراق كما اسماه وقال في بعض من خطبته ” يتهمني البعض بانني امريكي التوجه واعلنها من هنا انني امريكي حد النخاع”(37- السامرائي).
استمر حال التوجس من الحرب والتصعيد للحرب يفترش الساحة العراقية بصورة كبيرة جدا حتى وقع الاحتلال وشوهد مَن ساهم فيه بصورة فعالة وعرف العراقي ضعف قدرة صدام وجبنه حتى في الدفاع عن اقل من شبر لساعات طويلة وتبين ان الولايات المتحدة الامريكية كانت تخيف العراقيين بصدام لكي تكمل مخططها دون ان يحدث ما لا يمكن السيطرة عليه. ولتكن هي صاحبت الفضل على العراقيين باسقاطه في حين كان بامكان العراقيين اسقاطه بسهولة لولا تسريب المعلومات الى صدام حسين بين الحين والاخر من قبل الولايات المتحدة الامريكية.
لم يكن سقوط بغداد مفاجئا للجميع لان الكل كان متوقعا عدم مصداقية صدام للقتال من اجل العراق هو وحزبه ومن يلف حوله من زمرته المستفيدة. والدليل على ذلك بمجرد ان هوى عام 1991م انتقل الكثير من اعوانه للعمل في صف المصالح واصبحوا معارضين يميلون حيث يميل الهوى. ودخل مرتزقة صدام في الامس كمحررين وقادة للمعارضة عند سقوط بغداد دون مقاومة من على الدبابات الامريكية. والعجب الذي لا يطاق هو الالتحاق بعد فترة وجيزة جدا وبصورة علنية للاحزاب التي كانت متعاهدة مع الولايات المتحدة الامريكية بصورة سرية كالدعوة والشيوعي والاسلامي العراقي وبانت مع ذلك ومن خلال الاحداث المتعاقبة اللعبة الاساسية في رسم المخطط الجديد.
من جانب اخر كانت الولايات المتحدة الامريكية ترى انه ليس من الصحيح ان تترك الساحة السياسية العراقية الخارجية خالية لدحض اطروحة الاحتلال والعمل ضدها. فخلقت ايضا قبل اقدامها على الاحتلال؛ تيارا صهيونيا فكريا تحت منظمة ما يسمى بالذاكرة يديرها كنعان مكية. هدف هذه المنظمة العمل على اجهاض اية مبادرة وطنية او عمل يرفض الاحتلال الامريكي ويدعو لوضع العراق الطائفي من خلال اتهام اعضاء تلك المنظمة الفاسدة للشرفاء من العراقيين الذين لم تنطوي عليهم اللعبة باتهامات باطلة. ضم هذا التيار الصهيوني عناصر كانت في الامس القريب قبل انتفاضة عام 1991م شخصيات بعثية تدين بالولاء لصدام حسين وحزبه. وكانت هذه المجموعة مدعومة بصورة او اخرى من قبل اسرائيل وتم تدريب بعظهم في اسرائيل حسب رواية خالد اللحام المسؤول في المكتب الفلسطيني من خلال اتصال بمحطة المستقلة الفضائية في 22 مايو 2004م اذ قال بعد ان اكد اسمائهم: ” نحن لدينا الوثائق الخاصة بهؤلاء الذين تم تدريبهم في ارزيليا باسرائيل واذا كانت المستقلة على درجة من الشجاعة نحن على استعداد لارسالها ونشرها عبر قناتها”(الجزيرة).
هكذا بدت مؤثرات السياسة الامريكية تجاه العراق وملابسات سقوط صدام ووقوع العراق تحت الاحتلال؛ ولكن ما هي الاهداف الاساسية لذلك تجاه المنطقة؟ وهل ينتهي المشروع الامريكي عند هذا الحد ام ان المنطقة مقدمة على حرب اشمل واكبر في المستقبل القريب العاجل. ولعلنا لا بد ان نؤكد في نهاية مطافنا هذا؛
ان المشروع الامريكي كاد ان لا يأخذ طريق النجاح لولا الظهورالعلني للاتفاق السري ما بين الولايات المتحدة الامريكية من جهة والاحزاب السياسية العراقية ذات الشعبية قياسا بالاحزاب الاخرى الموجودة على الساحة العراقية من جهة اخرى.
ان التحاق حزب الدعوة الاسلامية بكافة فصائله المنشقة والمتحالفة والحزب الاسلامي العراقي والحزب الشيوعي العراقي؛ كان له الاثر الكبير في تمكين الولايات المتحدة الامريكية من تطبيق اجندتها التدميرية في العراق بصورة دقيقة. والحقيقة ان تلك الاحزاب الثلاثة قد اجهزت على الفكر السياسي العراقي واردته قتيلا عندما تبين انهم جزء من اللعبة الامريكية في العراق ومنذ وقت طويل. ففي الوقت الذي كانت ادبياتهم ومنذ عقود طويلة تؤكد على مقارعة الاستكبار العالمي في المفهوم الفكري الاسلامي؛ والامبريالية المستعمرة في الفكر الشيوعي؛ نراهم الان اكبر حليف للولايات المتحدة الامريكية لتنفيذ مخططها في العراق؛ الذي لا تخلو الخيوط الصهيونية الدولية من اللعب في كيانه وتوجيهه. وبالتالي فتلك الاحزاب الثلاثة قد جعلت الامل في التخلص من هيمنة المشروع الامريكي على المنطقة العربية والاسلامية في الشرق الاوسط عامة والعراق خاصة امرا مستحيلا جدا.
لقد تبين للعراقيين الذين عانوا من صدام حسين وحزب البعث وبطشه خلال العقود الاربعة الماضية؛ ان السياسة في عُرف الاحزاب السياسية العراقية سواء كانت اسلامية وشيوعية اممية او قومية عربية وكردية وتركمانية او ليبرالية منتمية او مستقله؛ هي كيفية الوصول الى السلطة وحسب. اذ ليس هناك مجالا في نهجهم الواضح لنا الان اي موقع للمباديء والقيم الدينية والاخلاقية والفكرية؛ فراح ضحية هذه الممارسات الشعب العراقي بكافة اطيافه. وعلاوة على ذلك فقد مارست تلك الاحزاب همجية كبيرة لقمع اية توجه شعبي عراقي وطني؛ لتبقى هي وبحماية الولايات المتحدة الامريكية سيدة الموقف في السلطة والسياسة؛ وهذا ما تبين في الواقع في الاشهر القليلة الماضية؛ حين اتفق الجميع بمختلف اطيافهم السياسية العراقية التي كانت تشكل مجلس الحكم سيء الصيت؛ على قمع التيار الصدري؛ لكونه كان يمثل حالة شعبية عراقية لها امتداداتها الفكرية والعقائدية .
الأفاق المستقبلية للمنطقة :
مع الانتهاء من احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية ومساهمة بعض الفصائل العراقية في الترويج والتكريس له؛ بدأت حرب القرن الحادي والعشرين تأخذ مجراها الفعلي. فقد صاحب الاحتلال الامريكي للعراق ظهور اطر فكرية تحاول ان تأخذ طريقها داخل المجتمع العراقي بصورة خاصة وداخل منطقة الشرق الاوسط بصورة عامة. ولعل من اهم اولولويات هذه السياسة الجديدة هو تقوقع كل شعب وحكومة في داخل حدودها دون الاكتراث لما يحدث في البلد المجاور.
فتسنى للولايات المتحدة الامريكية تمرير اوامرها بالصورة والتوجه اللذان تراهما مناسبين لاقرار مشروعها المستقبلي. ولقد نجحت بعد احتلال العراق ببث مفهوم حل المشاكل الداخلية ولسنا مسؤولين عن ما يحدث خارج اسوارنا. ومع براءة التعبير الشعبي لهذا المنظار الفكري الجديد الا ان ورائه اهداف اساسية للولايات المتحدة الامريكية؛ اذ تهدف من خلاله ان تصفي نقاط التوتر المعادية اليها. فعلى سبيل المثال ظهر في الاونة الاخيرة تيارا صهيونيا مروجا في العراق لعدم الاكتراث بما يحدث في فلسطين وضرورة التركيز على حل المسألة العراقية الداخلية التي نرى انها سوف لن تحل حتى تنتهي عوالقها خارج منطقة العراق. وبالتالي فالولايات المتحدة الامريكية ارادت من ذلك ان يقول العربي ان لا ناقة لنا ولا جمل في فلسطين وما هي الا مشاكل داخلية
ولاسرائيل الحق في تصفيتها. انه خيار مر لا يمكن ان يتقبله الشارع العراقي والعرب والاسلامي ابدا ولكن التوجيه الاعلامي المركز على هذه النقطة اعطاه بعدا جماهيريا غير موجود لمعرفتنا بخلفيات المروجين له من خلال استعمال التعابير الانسانية لمظلومية اليهود في العراق. ولعل الاتعس في تلك الاطروحة التي يروجها التيار السياسي العراقي المتصهين هو اعطائهم حق اليهود الاسرائيليين بالعودة الى العراق ورفض حق الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم فتأمل ايها القاريء الكريم الى اي حد وصلت الامور!
تمكنت الولايات المتحدة الامريكية من خلال التيارات الجديدة ان تعطي اليد الطولى لاسرائيل في القضاء على الفلسطينيين دون ان يتدخل احد ممن كان يعتبر القضية الفلسطينية ام القضايا العربية الاسلامية.
واخذ هذا المفهوم مداه ليصل الى عمق الشرق الاوسط؛ فترى شعوب المنطقة لا دخل لها فيما يحدث بأفغانستان والباكستان وحصار ايران والعراق وفلسطين والجزائر وبالتالي فقد نجحت السياسة الجديدة بفصل المنطقة لقواطع لها جاهزيتها للتقطيع لبقع اصغر واصغر. كان من اولى اولويات الولايات المتحدة الامريكية ان تخرج منطقة الشرق الاوسط من طابعها العشائري المحافظ؛ ومن خلاله يمكن تقسيم المجتمعات الى مدن قائمة بذاتها تنخرط ضمن اليات بناء الدولة التي تراها وتخطط لها الولايات المتحدة الامريكية كحل مستقبلي لمفهوم الديمقراطية الداعية اليه. الهدف من ذلك ان لا يكون هناك امتداد عشائري او قبلي ليغطي جميع مناطق القطر بل ينحصر ضمن المدينة الواحدة. وتمكنت من خلال حربها في افغانستان من ان تفتت المنظومة هذه من خلال حربها التي اسمتها ضد الارهاب وما ان نجحت حتى انتقلت نفس الفكرة لتطبيقها في المملكة العربية السعودية بعد ان تم تعمييق مفهوم محاربة شبح الارهاب؛ واجبار القبيلة او العشيرة التخلي عن ابنائها؛ لا بل تطاردهم وتسلمهم للسلطات حتى وان كانت لديهم قناعات ببرائتهم.
ثم امتد المفهوم نفسه ليصل الى اليمن والسودان والعراق ولا ندري سوف ينتقل الى اين في المستقبل القريب. ولعل من اهم اولويات المشروع الصهيوني الحديث هو تقسيم عالم الشرق الاوسط الى دويلات صغيرة لا تقوى على الاضطلاع في التزاماتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية والمصيرية. ولكن ضمن القانون الدولي لا يمكن تجزأة الدول المستقلة الا اذا طلب ابناء الدولة. فمنذ السنوات الاولى للتسعينيات كانت الولايات المتحدة الامريكية تأطر وتحاول برمجة مفهوم الفدرالية في العرق دون ان توجد لها الية ما. وتحاول من خلاله ان تترك الامور الى الاحداث السائدة في العراق.
ولعلها كانت تحاول تطوير هذه الفدراليات لتكن دويلات صغيرة. ولهذا ما يحدث في العراق من تكريس للاحتلال وعدم استقرار نابع من اهدافها في ايصال العراق الى حالة مأساوية غير مستقرة يصل فيه الحد الى ابناء المنطقة للمطالبة في الانفصال لحماية امن مدنها. ومن هذا المنطلق يمكن بعد ذلك ان تعتبره الولايات المتحدة الامريكية تجربة حية يمكن تصديرها الى دول المنطقة فيتم على ضوئها بعد توسيع العمليات المسماة بالارهابية في السعودية واليمن والسودان فتشهد المنطقة تقسيمات جديدة يمكن ان تباركها الشرعية الدولية لنجاحها في فرض الاستقرار في العراق.
يبدو ان دعوة جورج بوش الاخيرة الى بناء شرق اوسط كبير يدخل ضمن هذه الخطة التي بدأت رسومها تأخذ جدية اكبر مع التصعيد في منطقة دارفور السودانية الغنية بالبترول؛ والتضييق على برنامج ايران النووي السلمي. وقد شاهدنا في الآونة الاخيرة ان تقرير وكالة المخابرات الامريكية السنوي الصادر في شباط 2004م ولاول مرة يبحث في شؤون اقليات ايران. مركزا بذلك على منطقة عربستان وتاريخ شعبها واحقيتهم في تقرير المصير وعلى المنطقة التي يقطنها الاكراد وضرورة مراجعة حقوقهم. اي يعني ذلك ان المرحلة القادمة ستشهد لعبة جديدة لاثارة النزاع في ايران ويمكن من خلال تلك النزعات تصدير مشروع تقسيم العراق الى دويلات مرتقبة.
وبالتالي تبقى ساحة الشرق الاوسط ساحة صراع لقيادتها ما بين تركيا واسرائيل وكلاهما على الاقل في الوقت الحاضر حليف استراتيجي للولايات المتحدة الامريكية(67-الجزيرة).
الصراع المستقبلي لقيادة المنطقة ما بين اسرائيل وتركيا يبدو سوف لن يكون ذو اهمية كبيرة لدى الولايات المتحدة الامريكية على الاقل في الوقت الحالي. ولكن اذا ما تمكنت الولايات المتحدة الامريكية من زرع قواعدها العسكرية الست في العراق وزرع قاعدتين اخريين في المنطقة الكردية واضافة 12 قاعدة جديدة في منطقة الخليج العربي حسب مصادرها العسكرية؛ سوف تكون الولايات المتحدة الامريكية غير مستعدة للبقاء في حلف شمال الاطلسي ولا تحتاجه مطلقا(34-الموسوعة العسكرية).
خصوصا وانها بدأت بسحب قواتها من اوربا شيئا فشيئا بحجة انتهاء الحرب الباردة. وبالتالي فسوف ترى الدول الاوربية لا مناص من تاسيس حلف عسكري اوربي على ركام حلف الشمال الاطلسي وينتهي بذلك تواجد القوات الامريكية في تركيا. ولا تصبح حليفاً استراتيجياً فتدخل ضمن لعبة التقسيم تحت ذريعة الرضوخ لمطالبة الاقليات.
وبهذا تتضح صورة الشرق الاوسط الكبير الذي يتصوره الرئيس بوش لتنفرد بقيادته اسرائيل. ويتحقق حلمها بالسيطرة على المنطقة من النيل الى الفرات ليس عسكريا بل فكريا واقتصاديا وسياسيا وتاريخيا.
يبدو ان هذه الاحلام لا يمكن ان تأخذ طريقها بسهولة للتنفيذ مع غياب القطب المضاد للولايات المتحدة الامريكية. ولكن اذا ما استمر العالم بجميع دوله في مساعدة الولايات المتحدة الامريكية بتنفيذ مخططاتها بذريعة شبح الارهاب فإنها سوف لن تأخذ وقتا طويلا لتنفيذه.
الا ان التقارير تشير ان فرنسا والمانية وانضمت اليهم مؤخرا الدنمارك قد ادركوا حجم الكارثة اذا ما اعطيت الولايات المتحدة الامريكية الغطاء الدولي لتنفيذه. ولعل تصريح قادة الحلف وشيراك شخصيا باننا لن نسمح بتغيير اسرائيل لحدودها التي كانت عليها بعد 1967م خير دليل على فهم اللعبة الجديدة(67-الجزيرة).
ومع هذا فان تلك الدول الاوربية ليست باللاعب الاساسي لا يقاف المشروع؛ بل عليها ان تعيد حسابات استراتيجياتها ومصالحها في المنطقة لمنع التسلط الامريكي بصورة شاملة.
التحرك الفرنسي الالماني الدنماركي المعاكس لتوجه الولايات المتحدة الامريكي ولو لم يأخذ الجانب العلني؛ كان في المقابل منه تحرك امريكي سريع للسيطرة على منابع البترول العالمي. فبعد ان تمت سيطرته على البترول الخليجي والقزويني راح يمسح العالم الافريقي لتعيين المناطق الغنية بالبترول وكان نتيجة ذلك؛ التصعيد في السودان مرة بخصوص حرب الجنوب وتارة في دارفور الغنية بالبترول وما شاكل ذلك.
وكان اهدافه في تعيين المناطق والاستحواذ عليها من خلال التدخل لمنع كوارث انسانية كما اسماها؛ ليس نابعاً من احتياجه للبترول بقدر ما يحاول السيطرة على منابعه والتحكم في تصديره وتسعيره دوليا لمنع ظهور اية قوة شبيه بالاتحاد السوفيتي؛ ولتبقى الولايات المتحدة الامريكية سيدة العالم. خصوصا وان التقارير تشير الى ترقب ظهور كلا من الصين والهند والاتحاد الاوربي كمنظومة قوية ثلاثية تنافس الولايات المتحدة الامريكية مستقبلا وفي فترة لا تتجاوز العشر سنوات القادمة؛ لمقاييس النمو الاقتصادي والتكويني البشري لكل منهم والقدرة التطويرية وامتلاك كلا منهما منظومة نووية.
ويبدو ان الولايات المتحدة الامريكية تتخوف من ظهور تحالفات ما بين تلك القوى الثلاث فتحاول حصر الصين والهند من خلال قواعدها القريبة منهما واثارة المشاكل في مناطقها كما يحصل في كشمير بالنسبة الى الهند وتايوان بالنسبة الى الصين وتعميق الخلاف في كوريا الحليف الرئيسي للصين.
نستنتج مما جاء اعلاه ان الشرق الاوسط والصراع عليه يبدو مفتاح الحرب والامان لما يمتلكه من ذخيرة كبيرة لمصادر الحياة المتمثلة بالبترول والفلزات الاخرى.
وبالتالي فنحن نميل الى اندلاع حرب جبارة خلال الثلث الاول من القرن الحادي والعشرين يكون مسرحها الشرق الاوسط بأكمله للسيطرة على منابع البترول والمصادر الاخرى. خصوصا اذا اقدمت الولايات المتحدة الامريكية على السيطرة على اسعار البترول ومحاربة الدول المرشحة لتكن كبرى في اقتصادياتها.
هكذا بدا لنا العالم وصراعاته وحروبه المتتالية وتوجهاته السياسية. وهي صراعات من اجل مناطق النفوذ وتقليل امتلاك الدول للسلاح ليتسني للأمريكان سيادة العالم وتحقيق نبؤة سيادة اليهود ليظهر المسيح مرة اخرى حسب رواياتهم الدينية التي سيسها الساسة لحماية الكيان الصهيوني.
هناك العديد من العوامل التي تقف وراء سعي العديد من القوى الدولية والإقليمية في المرحلة الراهنة إلى ترسيخ وجودها على سواحل البحر الأحمر. فعلى الرغم من الأهمية الاستراتيجية التي يحتلها هذا الممر المائي الحيوي، والتي دفعت العديد من الفاعلين للبحث عن فرص للتواجد وبناء القواعد العسكرية على سواحله، بل واستغلال التطورات والأحداث التي تشهدها دوله، خاصة على الجانب الأفريقي، لتأكيد نفوذها داخل الإقليم، وكان في مقدمة هذه الدول إسرائيل التي أدركت بعد حرب أكتوبر 1973 أهمية السيطرة والتحكم في أجزاء واسعة من هذا الممر المائي وتمكنت بالفعل خلال العقود الأخيرة من بناء القواعد العسكرية على عدد من الجزر التابعة لإريتريا، رغم كل ذلك إلا أن السنوات الأخيرة طرحت مجموعة من العوامل والتهديدات، التي دفعت بفاعلين جدد إلى تدشين وجودهم العسكري على سواحل البحر الأحمر في محاولة لحماية مصالحهم وتحقيق أهدافهم.
ونناقش فيما يلي أبرز هذه العوامل.
1- التطورات المتلاحقة في العالم العربي
أدت التطورات التي يشهدها العالم العربي منذ العام 2010، إلى صعود أدوار بعض القوى الدولية والإقليمية، التي بحثت عن محاور جديدة لتعظيم حضورها في الإقليم. وقد أسهمت المشكلات التي يواجهها اليمن وما تبعها من تصاعد للعمليات الحربية على أراضيه، وكذلك الأزمة القطرية وما أحاط بها من تهديدات على صعيد تماسك مجلس التعاون الخليجي، في اندفاع بعض الدول لترسيخ وجودها العسكري على سواحل البحر الأحمر، الذي أصبح جزءا من قوس عدم الاستقرار الدولي. وقد وجدت هذه القوىترحيبا واستعدادا كبيرا من جانب الدول الأفريقية على البحر الأحمر لاستضافة القواعد العسكرية على أراضيها.
فقد اتجهت دولة الإمارات إلى بناء قاعدة عسكرية في ميناء عصب في إريتريا، لتقديم الدعم اللوجيستي والعملياتي لقوات التحالف العربي في حربها في اليمن. وعلى نحو مماثل اتفقت مع جمهورية أرض الصومال على إنشاء قاعدة عسكرية في ميناء بربرة. كما اتفقت المملكة العربية السعودية مع دولة جيبوتي على إنشاء قاعدة عسكرية على أراضيها، حيث تسعى الدولتان الخليجيتان إلى زيادة حضورهما العسكري على الجانب الأفريقي للبحر الأحمر لتعزيز قدراتهما في الحرب اليمنية، وكذلك للحد من النفوذ الإيراني في شرق أفريقيا.
كما حرصت تركيا خلال السنوات الأخيرة على تدعيم علاقاتها بدول القارة الأفريقية وخاصة شرق أفريقيا، وذلك في إطار رؤية أنقرة الجديدة لنفسها منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002 بأنها دولة مركزية وفاعل دولي ذو سياسة خارجية معقدة ومتشابكة الأبعاد. وتمكنت تركيا من خلال سياستها الأفريقية من إنشاء أول قاعدة عسكرية لها في الصومال خلال عام 2016، في حين حصلت من السودان على اتفاق بإدارة جزيرة سواكن القريبة من الحدود المصرية، في إشارة إلى أن تراجع النفوذ الإيراني في شرق أفريقيا قد أتاح فرصا أكبر للدور التركي في هذا الإقليم.
2- تصاعد التنافس الدولي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية
غيرت الصين من سياستها الخارجية وقامت بإنشاء أول قاعدة بحرية لها في الخارج في جيبوتي، وأعلنت وكالة أنباء الصين أن الهدف من هذه القاعدة هو “ضمان أداء الصين في بعثات حفظ السلام والمساعدات الإنسانية في أفريقيا وغرب آسيا، وستساعد القاعدة أيضا في المهام الخارجية بما في ذلك التعاون العسكري والتدريب المشترك وحماية الأمن الصيني في الخارج، بالإضافة إلى الحفاظ على الأمن المشترك للممرات البحرية الاستراتيجية الدولية”. ووفقا للاتفاق المبرم بين بكين وجيبوتي، والذي يسري حتى عام 2026 على الأقل، قد تضم القاعدة ما يصل إلى عشرة آلاف جندي.
ويعبر إنشاء هذه القاعدة عن تحرك الصين بعيدا عن تركيزها التقليدي على منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ نتيجة لتزايد مصالحها في أفريقيا والشرق الأوسط. كما يمكن أن ينظر إلى هذا التطور في إطار المشروع الصيني مبادرة الحزام والطريق (حزام واحد، طريق واحد) التي تسعى إلى إنشاء طرق برية وبحرية تربط أقاليم من آسيا والمحيط الهندي. ففي حين أن المبادرة عادة ما تُفهم على أنها ذات طبيعة اقتصادية في المقام الأول، إلا أن القاعدة الصينية في جيبوتي تعبر عن الوجه الآخر الذي تسعي بكين للظهور به، خاصة في إطار تنافسها الدولي مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث انزعجت واشنطن من بناء الصين لهذه القاعدة التي تقع على بعد بضعة أميال فقط من القاعدة الأمريكية في جيبوتي.
وبالتوازي، تعمل الصين على تطوير قواها البحرية مع تعزيز السيطرة على بحر الصين الجنوبي (البحر المقابل للمتوسط في شرق آسيا)، وهو الأمر الذي يزيد من تهديد الهيمنة الأمريكية والوجود الياباني في المحيط الهادئ.
وستكون له تداعيات على موازين القوى في شرق آسيا. ولهذه الاستراتيجية مظاهر أخرى منها التطور المتسارع لعلاقات بكين بكل من دول آسيا الوسطى وباكستان، والصلات المتنامية مع إيران والسعودية ودول الخليج ومصر وتركيا في منطقة الشرق الأوسط، والتركيز على شرق أوروبا واليونان، بالتزامن مع الانحياز إلى جانب روسيا في الأزمة السورية.

كما تعمل الصين من خلال بناء هذه القاعدة على حماية تدفقات مواردها النفطية، فنصف النفط الذي تستورده بكين يمر عبر مضيق باب المندب، ويتم نقل معظم الصادرات الصينية إلى أوروبا عبر خليج عدن وقناة السويس. كما تعرضت الصين لخسائر كبيرة نتيجة التطورات في ليبيا، لذلك عملت على زيادة حضورها العسكري في الإقليم. وتجدر الإشارة إلى أن البحرية الصينية أجرت تدريبات مع نظيرتها الروسية في البحر المتوسط عام 2015، كما أجرت تدريبات عسكرية أخرى في البحر المتوسط خلال شهر يوليو 2017.
على الرغم من الترحيب الذي تبديه دول القرن الأفريقي الساحلية بالقواعد العسكرية على أراضيها، والذي يعود إلى الأزمات الاقتصادية التي تعانيها هذه الدول، وكذلك العقوبات الدولية المفروضة على بعضها كإريتريا، والسودان (حتى أكتوبر2017)، بالإضافة إلى محاولة بعض الدول الحصول على دعم قوى خارجية لمواجهة أزماتها مع بعض القوى الإقليمية أو الدولية، إلا أن انتشار القواعد العسكرية في دول القرن الأفريقي على نحو ما يشهده الإقليم في السنوات الأخيرة، يثير العديد من المشكلات والتداعيات، خاصة ما يتعلق بالنسبة للقوى الرئيسية في إقليم البحر الأحمر.
الاتجاه إلى بناء القواعد العسكرية في إريتريا وجيبوتي وجمهورية أرض الصومال والسودان، يثير حفيظة دول إقليمية أخرى، وتحديدا إثيوبيا والتي تمثل دولة إقليمية رئيسة في شرق أفريقيا، ولها نفوذ كبير في الإقليم بحكم دورها في تسوية صراعاته، ومكافحة الإرهاب، وقيادتها للتنظيمات الإقليمية الفرعية في الإقليم وفي مقدمتها “الإيجاد”، وهي أقرب حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في محاربة الإرهاب، والاتحاد الأوروبي في قضايا الهجرة في الإقليم.
إلا أن إثيوبيا لم تدخل سباق القواعد العسكرية في القرن الأفريقي بحكم تحولها إلى دولة حبيسة منذ عام 1993(عقب استقلال إريتريا)، كما تواجه منافسة كبيرة من قبل الدول المقيمة للقواعد العسكرية في جيبوتي والتي يمثل ميناؤها المنفذ الرئيسي لتواصل إثيوبيا مع العالم الخارجي. يضاف إلى ذلك أنه على هامش بناء القواعد العسكرية في شرق أفريقيا يتم تدريب وتسليح جيوش دول الإقليم بما يشير إلى احتمالات تطور الصراعات في هذا الإقليم الذي تعاني دوله من مشكلات تاريخية حادة فيما بينها.
وفي ظل مشكلات النظام السياسي الإثيوبي مع المعارضة والتي ظهرت في صورة احتجاجات واسعة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وعلاقات إثيوبيا المتوترة مع مصر وخوفها من التأثير المصري على دول الخليج العربي، تبرز احتمالات كبيرة لتقويض القواعد العسكرية في البحر الأحمر، للتوازن بين دول شرق أفريقيا، بفقدان إثيوبيا لأهميتها الإقليمية.
من ناحية أخرى، فإن تزايد القواعد العسكرية الأجنبية في البحر الأحمر، يؤثر على التوازن الإقليمي بين الدول العربية، فدول الخليج العربي التي تبذل جهودا واسعة لتقليص النفوذ الإيراني على البحر الأحمر، لا تسعى لاستبدال هذا النفوذ بنفوذ تركي، خاصة في ظل التحالف بين قطر وتركيا خلال الأزمة الخليجية الأخيرة، وتبني بعض دول شرق أفريقيا (السودان، الصومال) لموقف محايد من الأزمة، مما يشير إلى احتمالات استعادة قطر لمكانتها في شرق أفريقيا، خاصة أنها بذلت جهودا للوساطة في أزمات هذا الإقليم خلال السنوات الأخيرة.
وأخيرا، يمكن القول إن التطورات المتصاعدة في الشرق الأوسط تدفع في اتجاه إعادة تشكيل هذا الإقليم، مما يجذب العديد من الفاعلين الذين يجدون أن هذه التطورات تحمل فرصا حقيقية لتدعيم مصالحهم، ويسعى هؤلاء للبحث عن مواقع داخل الإقليم أو في جواره الجغرافي. وهنا تبرز أهمية إقليم البحر الأحمر كأحد الأقاليم الفرعية المهمة لإقليم الشرق الأوسط.
وتتعاظم فرص الفاعلين الخارجين في ظل تركيز النظم السائدة في إقليم البحر الأحمر على استقرار نظمها فقط، فمصالح هذه النظم أقل من الإقليمية، مما يجعل من الصعب إنشاء نظام فعال للأمن الجماعي.
استنتاجات :
1- أن المنطقة العربية والصراع عليه يبدو مفتاح الحرب والامان لما يمتلكه من ذخيرة كبيرة لمصادر الحياة المتمثلة بالبترول والنفط والغاز ….. الخ .
2- يجب ان يكون هناك تنشيط للعمل الدبلوماسي وتطوير آليات النظام العربي وبما يؤدي إلى وضع استراتيجية قومية شاملة لحماية وتنمية القدرات والإمكانات العربية المتيسرة والممكنة وعلى كافة المستويات بهدف تقوية نقاط الضعف الحالية في الجسد العربي وتطوير جوانب القوة فيه وذلك بفلسفة وسياسة قومية شاملة تأخذ في اعتبارها المستجدات العالمية والإقليمية والتكامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي مع الدول الإسلامية.
2 -تحديد مفهوم جديد للأمن القومي العربي ويمكن اقتراحه ليكون:
هو الإجراءات والسياسات التي تقوم بها كل دولة عربية في حدود طاقتها وحاجتها خاصة الدفاعية لتحقيق الأمن الوطني القطري عن ذاتها على أن تكون تلك الإجراءات والسياسات متوازية في إطار الأمن الشامل للأمة وبما يؤدي إلى تصعيد مفهوم الأمن القومي الوطني من مستواه القطري إلى المستوى الإقليمي ثم إلى المستوى القومي مع مراعاة المتغيرات العالمية والإقليمية والمحلية وموجباتها.
3 – وفي إطار حدود الواقع وإمكاناته وفي ضوء المفهوم أعلاه وعلى أساس توافر الإرادة للعمل العربي الجماعي هنالك عدة إجراءات يمكن الأخذ بها متوازية حتى يمكن بناء الأمن القومي العربي وتتمثل هذه الإجراءات في الآتي:
أ- إن يبني الأمن القومي العربي ذاته، متسقاً مع الأمن الوطني لكل قطر وأن يستمد منه بعض قدراته ومساهماته، نظراً لأن الدولة القطرية حالياً هي الحقيقة الواقعة، وحيث أنه كلما استطاع الأمن القومي أن يوفر للدولة القطرية الأمان، ترسّخ مفهوم الأمن القومي برمته وتوطدت دعائمه وبناء على ذلك تقوم كل دولة عربية بقدر طاقتها وحاجتها ببناء قوتها الدفاعية لحماية أمنها ذاته أولاً.
ب- أن تعمل كل مجموعة على التنسيق والتعاون من أجل تأطير قدراتها الشاملة لتشكل قوة درع إقليمية تتولى الدفاع عن مجمل المجموعة وعلى أن تقوم الدول العربية الغنية بدعم الدول العربية المحتاجة إلى الدعم مالياً دون إعلان عن ذلك الدعم.
ج- أن يكون تنفيذ الإجراءات السابقة متوازية وفي إطار صياغة دقيقة لها، بهدف تقنين العمل العربي المشترك، وبما يؤدي إلى تصعيد الردع من مستواه القطري إلى المستوى الإقليمي ثم إلى المستوى القومي الذي يبدو اليوم أحد الحلول المناسبة.
– ضرورة التكامل السياسي والاقتصادي والثقافي والأمني مع كافة الدول الإسلامية التي تعتبر حزام أمن للأمن القومي العربي ومرتكزاً قوياً لأمن الأمة الإسلامية جمعاء.
د- عدم الركون على الدول الاستعمارية في تأمين الأمن القومي الوطني سواءً على المستوى القطري أو الإقليمي أو القومي.
تشكل الحرب الأمريكية على العراق نقطة تحول جوهرية في تاريخ العلاقات الدولية، وبالذات في الشق المتعلق بالتنظيم الدولي،
فقد درج النموذج الأمريكي على الارتكاز على الأمم المتحدة في التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى دون إذنها، وذلك بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، سواء فيما يتعلق بتبني قضية عادلة من قضايا الميثاق،
أم أخذ قرار من الشرعية الدولية، غالباً من مجلس الأمن، ثم بتفويض منها أيضاً تتكون قوات متعددة الجنسية تحت علم الأمم المتحدة وبقيادة أمريكية. تخطت الولايات المتحدة هذه المرة هذا السقف، وذلك على الرغم من محاولة إضفاء شرعية لاحقة على الغزو.
ومن الملاحظ أن الحرب على العراق ستشكل متغيراً محورياً في شكل العلاقات الدولية وجوهرها مستقبلاً، ومن ثم دراسة الأزمة الدولية. ويُلاحظ هنا أن الولايات المتحدة في إدارتها للأزمة قد تخلت عن العديد من السلوكيات السابقة عبر ما يزيد عن عقد، ويتضح ذلك فيما يلي:
-عدم الحرص على أخذ قرار بالحرب أو الالتزام بقرارات من مجلس الأمن الدولي.
-محاولة إضفاء الشرعية على العدوان بقبول التدخل الإنساني للمنظمة بأثر رجعي.
-عدم قبول وساطة أية أطراف ثالثة.
-عدم الاهتمام بمواقف الحلفاء التقليديين المعارضين في الناتو أو غيرهم.
-عدم قبول مبدأ توازن المصالح مع الدول الأخرى الذي كان سائداً قبل العدوان.
-عدم الاكتراث بالرأي العام العالمي المعادي للحرب.
-القبول بمبدأ تغيير الأنظمة من الخارج.
-القبول بتراجع دور الأمم المتحدة إلى الصفوف الخلفية في إدارة الأزمة الدولية.
-القبول بعودة الاستعمار التقليدي في تسيير الجيوش لشن العدوان على الدول الأخرى.
ومن المتغيرات المعاصرة الأخرى التي أثرت على الأزمة الدولية منذ انتهاء الحرب الباردة ازدياد أزمات الصراع الممتد Protracted Conflict- Crisis Model ، والارتفاع المضطرد في الصراعات الأثنية “أو العرقية” Ethnicity ، واستمرار أهمية الموقع الجغرافي.
ولا شك أن ذلك كله سوف يكون تحدياً ثقيلاً، ليس فقط لتحولات النظام الدولي بل لبحوث السلام الدولية، التي أصبح عليها تغيير العديد من النظريات والنماذج والمناهج التي طبقت خلال عقد التسعينيات من القرن العشرين.
وقد أوضحت التفاعلات التي أحاطت بعملية نقل مركز العمليات الجوية التابع للقيادة المركزية من السعودية إلى قطر أهمية تلك المعايير في تحديد اتجاهات رياح نشر القوات، كما هو واضح في مسألة المشاعر الداخلية المعادية، والسماح باستخدام القواعد في العمليات الحربية، في الوقت الذي يتم التجاوز فيه عن بعضها، كالإنفاق المالي في ظل وجود تصور أمريكي بأن قاعدة ‘العديد’ في قطر أكثر ملاءمة من الناحية السياسية على المدى الطويل، مع أهمية المعيار الأخير في استكشاف اتجاهات التفكير في البنتاجون بشأن ‘عمل القوات’ في المستقبل.
فاتجاهات إعادة نشر القوات في اتجاه الكويت والعراق تشير بوضوح إلى اقتراب من إيران وسوريا، ولو عبر الاحتفاظ بقوة قريبة تتيح خياراً عسكرياً نظرياً يعمل طوال الوقت لدعم الضغوط السياسية العنيفة ضد الدولتين مع ضبط الأمور بين دول الخليج ذاتها.
ولا توجد في هذا السياق اتجاهات شديدة التحديد بشأن إعادة هيكلة القوات في الخليج، لكن خبرة الحرب وتقارير البنتاجون، والتصريحات القليلة الصادرة، تشير إلى احتمالات حدوث عملية خفض واسعة النطاق في عدد ‘ القوات غير المقاتلة’ العاملة ضمن أفرع الوحدات المختلفة خاصة وأن حجم ‘المتعاقدين الفنيين’، وهم من المدنيين أساسا يصل إلى ما بين 25 و30% من قوة الجيش الأمريكي. يضاف إلى ذلك أنه قد يتم إبدال وحدات المدرعات [الدبابات] الضخمة، كما يحدث في ألمانيا، بوحدات عسكرية أصغر حجماً، وأخف حركة، مجهزة بعربات مدرعة أخف وزناً مع أسلحة متطورة.
لذلك، فإن القواعد العسكرية قد تتحول خلال الفترة القادمة إلى ‘قواعد معدات عسكرية’ وليس ‘ قواعد قوات مسلحة’، أي أنها ستكون قواعد مجهزة بمراكز قيادة وسيطرة واتصال ، ومخازن ذخيرة ، وأنظمة تسليح رئيسية ومواقع تموين في الأساس مع قوات محدودة العدد يمكن إجراء عملية نقل وتدعيم واسعة لها وقت الحاجة بشكل سريع لمواجهة حالات الطوارئ .
إن التشكيل الذي سيتم على أساسه إعادة ترتيب الوجود العسكري الأمريكي في الخليج سوف يعتمد على الأرجح على صيغة وسط بين ما كان يعرف باسم قوات الانتشار السريع قبل حرب الخليج الثانية [1991]، وبين الهيكل ‘الديناصوري’ الضخم للقيادة المركزية.
لكن المسألة برمتها لا تبدأ وتنتهي عند جوانبها العسكرية ، فمع تحول خريطة الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة سوف تتحول المعادلات الحاكمة لشكل العلاقات والتحالفات الاستراتيجية الأمريكية فيها.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك