الخميس - الموافق 25 أبريل 2024م

التحديات التي تواجه مصر بقلم :- الدكتور عادل عامر

Spread the love

ان مصر تعاني من عجز الموازنة، أي أن النفقات العامة للدولة أكبر من الايرادات. وتقوم الدولة بسد العجز عن طريق الاقتراض اما من الداخل بإصدار أذون وسندات خزانة، واما الاقتراض من الدول والمؤسسات الاجنبية كصندوق النقد الدولي، وكل هذه القروض تستخدم لسد عجز الموازنة وليست لمشروعات انتاجية، اي انها قروض لا تدر عائد، وفى نفس الوقت تلتزم الدولة المصرية بسداد أصل القروض وفوائدها وذلك باقتراض اموال جديدة سدادا لديون قديمة مما ادى الى تضخم المديونية بالإضافة الى مشكلات التضخم والبطالة وتزايد الواردات وتراجع الصادرات والذي ادى لتراجع قيمة الجنيه المصري امام العملات الاخرى

المشكلة الكبرى في اقتصاد مصر هي في نظامها السياسي، وذلك منذ عشرات السنين. الآفة في قرارات تتخذ وفى غيرها لا تتخذ. الموارد الاقتصادية معطيات لا فكاك منها. لا يوجد بلد فقير بل يوجد بلد ذو اقتصاد متخلف لا يضيف قيمة لما ينتجه.

أما إن كان الفقر فقر موارد فهذا مما لا معنى له. اليابان وسويسرا وهما من «أغنى» بلدان العالم لا توجد فيهما أي موارد طبيعية. أما الكونجو الديمقراطية فهي من «أغنى» بلاد العالم من حيث الموارد الطبيعية!

التخلف يعالج بسياسات تنبني على قرارات سليمة تستخدم الموارد، ومنها الموارد البشرية المتعلمة والمؤهلة والمدربة، أفضل استخدام أو لا تستخدمها. القرارات السليمة يشترك في اتخاذها وفى مراقبة تنفيذها كل أطراف النظام السياسي. قصر اتخاذ القرار الاقتصادي على جزء من مؤسسات الدولة وبدون أي رقابة عليه فيهما إهدار لإمكانيات موجودة في مصر، وهما تلاعب بحياة المواطنين.

تأخذ في الاعتبار عدة أهداف قومية منها هدف الأمن القومي وهدف تلبية الاحتياجات العاجلة للمواطنين وهدف استمرارية النمو، أي الخطة التي تحدث التوازن الصعب بين العناصر الثلاث الخاصة، بالدفاع والاستهلاك والاستثمار، وعلينا أن نتوخى الحذر ولا نحاول تصوير التنمية الاقتصادية علي أنها “الاستقلال الاقتصادي” ، أو التصنيع، أو الاحتفاظ بالأصول القديمة، فخطة التنمية الاقتصادية تتحدد أساسا ببلوغ عدد من “معطيات التحديث” مثل زيادة الإنتاجية وتحقيق قدر من المساواة الاقتصادية والاجتماعية وترسيخ المعرفة الحديثة وتطوير المؤسسات الإنتاجية و الخدمية،

ومن السائد ترجمة خطة التنمية بمجموعة من الأهداف الثانوية الأخرى مثل عدد المواطنين تحت حد الفقر، والحد الأدنى للاستهلاك والحد الأقصى للبطالة وتوزيع الدخل وأشكال الاستهلاك والتنوع في الاقتصاد القومي، وعلى سياسات الخطة محاولة “إحداث واستمرار” معدلات عالية من النمو دون معدلات مرتفعة من التضخم، كما عليها أن تحدث التوازن الدقيق بين مزايا الاندماج في الاقتصاد العالمي وبين مخاطر هذا الانفتاح على إمكانات الصناعة الوطنية.

كما أن عملية رفع مستويات السيولة الدولية حاليا من خلال الاقتراض سوف تكون أمرا مكلفا للغاية؛ وذلك نظرا لارتفاع الهامش الذي يطلبه المستثمرون لإقراض الدولة في مثل هذه الظروف، خصوصا أن احتياجات مصر للاقتراض سوف تكون مرتفعة.

التحدي الرابع الذي يواجه مصر هو كيف تكسب معركة محاربة الفساد المستشري بصورة عميقة في كافة أرجاء الجهاز الإداري للدولة، وهذا لن يتم قبل تعديل التشريعات القانونية الخاصة بأنشطة الفساد والضرب بيد من حديد على أيدي الفاسدين، وتكوين أجهزة مستقلة وفعالة للتعامل مع الفساد، وقوة خاصة بمكافحة الفساد. كذلك فإن جميع ملفات الفساد لا بد وأن تفتح،

وأن يتم التعامل معها بصرامة، وبغض النظر عن شخصية من يشتبه في قيامه بممارسة الفساد، على سبيل المثال ملف أراضي الصحراء لا بد وأن يفتح وأن تتأكد الدولة من أن الأراضي المخصصة وجهت إلى الأغراض التي تم تخصيصها نحوها في الأساس، وأن تتوقف الدولة عن بيع الأراضي المخصصة، بحيث يتم تخصص الأراضي للاستثمار مع استمرار ملكية الدولة لها، وأن تفرق الدولة بين الجادين الذين يزرعون تلك الأراضي بالفعل، وبين غيرهم الذين يضاربون على رمال الصحراء لكي يحققوا المليارات جراء ذلك. مصر في حاجة أيضا إلى تشجيع الصناديق العربية للاستثمار في مصر الجديدة، مصر الشفافة، مصر الخالية من الفساد، مصر الأمن والأمان.

لقد أسهم فساد الحكومات السابقة، في تسميم مناخ الاستثمار في مصر وجعله للأسف مناخا غير صالح للاستثمار المنتج طويل الأجل، فاتجهت الاستثمارات الأجنبية إلى مجالات غير منتجة أو تتسم بالمضاربة أكثر منها في مجالات الإنتاج الحقيقي، مثل الاستثمار في الأراضي والعقارات وبناء المدن السكنية والمجمعات التجارية. الخ. مثل هذه المجالات للاستثمار لم تساعد مصر على التعامل مع مشكلة البطالة على النحو المناسب.

استراتيجية مصر الاستثمارية الجديدة يجب أن تبتعد عن، أو لا تشجع مثل، هذه الأنشطة الاستثمارية ذات العائد التنموي المحدود. مصر في حاجة إلى بناء جدار الثقة مع المستثمرين في القطاعات الحقيقية من الاقتصاد سواء المستثمرين المحليين أو الأجانب، حتى توفر الحوافز أمام هؤلاء للاستثمار الجاد في المجالات المنتجة على المدى الطويل، وليس المجالات العقيمة الغير منتجة.

فإن مصر تحتاج من أجل دفع عجلة التنمية وتحسين مستوى المعيشة إلى زيادة الانفاق الاستثماري. وهذا أمر يحتاج إلى ترتيبات عدة أهمها الوضع الأمني والقواعد المنظمة للاستثمار.

وأعتقد أن مصر حتى تستطيع النهوض بالقطاع الصناعي والزراعي والخدمي تحتاج إلى وضع حوافز كافية لتدفق رؤوس الأموال من الخارج. فرؤوس الأموال المصرية وحدها غير كافية لدفع عجلة الاقتصاد بشكل متسارع والتعويض عن الزمن الضائع منذ يناير عام 2011. دور الدولة جوهري في تنشيط واستمرار التنمية الاقتصادية، وهذا الدور يتضمن اتباع سياسة صناعية انتقالية لصالح المشروعات التي تعاني من ارتفاع تكلفة البدء ولصالح مشروعات التصدير ولصالح المشروعات التي تؤدي آلي خلق صناعات أخري، والقضية التي نواجهها ليست أمرا مبسطا يضع “السوق” في مواجهة “الدولة” جلى أن التحكم في الأسعار النهائية غرضه هو التخفيف على المواطنين، وهذا مسعى محمود. ولكن ماذا سيكون رد فعل صندوق النقد الدولي الذي يٌعتبرٌ توحيدٌ سعر الصرف من دعائم منهجه الاقتصادي؟

هل كان تحديد سعر الدولار الجمركي بالاتفاق مع الصندوق أم أنه عندما يراجع هذا الأخير التقدم المحرز في تطبيق البرنامج، سيعتبر أن شروطه لم تحترم وبالتالي يثير مشكلات في تسديد الدفعة الثانية من القرض؟ من المؤكد أن لا أحد يريد ذلك، ولكن التساؤل يفرض نفسه لأنه إن حدث وتباطأ الصندوق في تسديد الدفعة الثانية، فلن يكون قد نال المواطنين غير العنف المالي الذي مورس بحقهم.

ولكنها قضية بعث “المؤسسات الوسيطة” التي يؤدي غيابها آلي قيام خلل في مكونات النظام الاقتصادي بحيث تقودنا التبادليات بين هذه المؤسسات آلي التصرف بأسلوب جماعي رشيد، فالاقتصاد الذي يلائم مصر هو “اقتصاد مؤسسي” مبني على التوازن بين المؤسسات، وتعتبر السوق إحدى هذه المؤسسات وسيكون لها دور واضح وهام في هذا الاقتصاد المؤسسي يوازية أيضا قدر من التخطيط، فالاقتصاديات المؤسسية تنظر آلي الاقتصاد نظرة أشمل من مجرد كونه آليات للسوق.

قد تكون مواجهة عوامل التخريب المتعمد أمرا أصعب بكثير من مواجهة العوامل الاقتصادية العادية، ولكن هذه الصعوبة يجب ألا تدفعنا إلى تجاهل الأمر وافتراض أن تدهورنا الاقتصادي يعود على عوامل عادية مما يمكن أن يحدث لأي اقتصاد.

صعوبة العلاج لا يجب أبدا أن تدفعنا إلى تفضيل التشخيص الأبسط لمجرد أن علاجه أسهل، وإلا كنا مثل جحا الذي سقط منه دينار في مكان مظلم فراح يبحث عنه تحت المصباح لأن الإضاءة هناك أفضل. فإذا كان الاعتراف بالحق فضيلة دائما، فإن الاعتراف بأن هناك شيئا غير طبيعي في أزمتنا الاقتصادية الراهنة، قد يكون شرطا ضروريا للخروج منها.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك