الخميس - الموافق 25 أبريل 2024م

الاسلام وحماية القبطي بقلم :- الدكتور عادل عامر

Spread the love

إن القرآن الكريم دستورنا وشريعتنا والإسلام دين التسامح، والإسلام يحمي الأقباط»، ويجب على الجميع لتكاتف يدًا واحدة للنهوض بالبلاد لتتبوأ مصر مكانتها التي تستحقها.

أما الإسلام الصحيح فهو ما تواترت به الآثار الصحيحة التي وردت في تحريم إيذاء أهل الذمة وعدم أكل حقوقهم أو انتهاك حرماتهم وحسن معاملتهم ظلت فخرا للمسلمين على مدى التاريخ وسندا راسخا يجلى صورة هذا الدين وعظمته واحترامه لمخالفيه.

هذا هو الإسلام الذي يفيض تسامحا ورقيا مع مخالفيه، ومع أهل الكتاب بالخصوص، أما ما تعرضه القاعدة من شدة وغلظة وعنف موجه لمن هم في ذمة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-والمسلمين من بعده إلى يوم القيامة، وما يترتب على ذلك من أخطاء في حق الإسلام والمسلمين فأمر السفهاء الذين لم يعرفوا جوهر هذا الدين، ولا يستنون بسنته ولكن يعرفون فقط فكر الغيلة والغدر وعدم الأمان الذي عرفته القبائل الهمجية على مدار التاريخ!

ولو كان الرسول يريد نشر الإسلام بحد السيف أو يريد الغنائم كما يدعي بعض المستشرقين لكان ترك تبوك وتوجه إلى قوات قيصر الروم المتحصنة داخل الحصون في بلاد الشام وحاصرها من الخارج وقطع عنهم الطعام والمؤن، ومن المؤكد أنها كانت سوف تستجيب لمطالبه إذا طال الحصار عليهم، ولكنه لم يفعل ذلك لا مع أهل تبوك ولا مع ثقيف قبلهم في غزوة حنين، لأن غرضه الأساسي الدفاع عن النفس والدفاع عن الدعوة الإسلامية، وإن كان هذا لا يمنع البدء بالهجوم إذا علم أنه سيهاجم باعتبار أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم. وأنه شعب متدين بالفطرة، وأن جماعات الظلام والتكفير والشر والإرهاب لن تفلح في شق الصف الوطني ونسيج هذه الأمة المتماسكة منذ 1400 عام.

أن حماية الأقباط فرض عين على كل مسلم كما أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما كان يرسل أي سرية لفتح أي بلد من البلاد فكانت وصيته الدائمة والثابتة في كل كتب السير: «اغزوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدًا ولا امرأة ولا كبيرًا فانيًا ولا منعزلًا بصومعة، ولا تقربوا نخلًا ولا تقطعوا شجرًا ولا تهدموا بناءً». وعندما أرسل أبوبكر الصديق جيشه لفتح بلاد الشام سطر لهم أول أخطر وثيقة لحقوق الإنسان قبل أن تعرف البشرية معنى هذه الكلمة، قائلًا: «لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلًا صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلًا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكله، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع؛ فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له».

أن الاعتداء على الأقباط أو منازلهم أو كنائسهم حرام بإجماع الفقهاء، وأن الجماعات الإرهابية التي تستبيح دماء الأقباط باسم الدين ما هم إلا مرتزقة مأجورون لتشويه صورة الإسلام وشق الصف المصري، بتمويل من بعض الدول والمنظمات الداعمة والراعية للإرهاب في العالم.     إن الاعتداء على الكنائس عمل إجرامي لا علاقة له بالشريعة الإسلامية، لأن الإسلام حرّم الاعتداء على أي ذمي بشكل عام والأقباط بشكل خاص، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «إذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرًا فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا»، وقال في حديث آخر: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً ورحما”. وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم، من التعرض للأقباط بأي أذى، حيث قال: «اللهَ اللهَ فِي قِبْطِ مِصْرَ، فَإِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُونَ لَكُمْ عِدَّةً، وَأَعْوَانًا فِي سَبِيلِ اللهِ».

إن الجماعات التكفيرية التي تستبيح دماء وكنائس الأقباط باسم الدين ما هي إلا جماعات تكفيرية خارجة عن حدود الدين، وإنهم بالفعل يحاربون الله ورسوله كما جاء في قوله تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ».

أن هؤلاء التكفيريين ينبغي مواجهتهم بكل الطرق لحماية المجتمع من شرورهم، ولا بد وأن يكون سلاح الفكر في المقدمة، ومواجهتهم بالمنهج الإسلامي الوسطي، لتجفيف منابع الأفكار الإرهابية التي تغذي الأجيال الجديدة، التي يقومون بخداعها وتجنيدها باسم الدين.

ولا بد من توجيه الأجيال الشابة وحمايتهم من الغزو الفكري التكفيري، وأن يعلموا أن ما تقوم به الجماعات الإرهابية «إرهاب» وليس «جهادًا»، لأن الجهاد لا يجوز إلا إذا شُرع من قبل ولي الأمر، وليس الأفراد الذين تحكمهم الأهواء الشخصية، والأغراض الدنيوية مثل الوصول إلى السلطة، وتحقيق بعض المكاسب السياسية، أو إجبار الدولة على الاستجابة لمطالب إيديولوجية تخص الجماعة التي ينتمون إليها. أن التعليم والإعلام والثقافة يشكلون الذهنية المصرية العامة، وأنه لابد من الاهتمام بهم نظراً لخطورة الدور الذي يقومون به.

إن النصوص الشرعية أكدت على حماية غير المسلمين، وأنه يجب رد أي اعتداء يقع عليهم وتوفير الحرية الشخصية لهم، فقد روى عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » وأوصى عمر بن الخطاب رضى الله عنه بأهل الذمة قائلًا: “وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُوَفِّى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتِلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَلا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِم”.

وقد أقر الإسلام بوضوحٍ تام حرية الاعتقاد لقوله تعالى: {لا إكراه في ٱلدِّينِۖ}، لا إجبار ولا إكراه لأحد على الدخول فى دين الإسلام، والدعوة واجبة من غير إكراه، وأمر بها ربنا تبارك وتعالى، لقول الله تعالى: {ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وجدلهم بِٱلَّتِى هِى أحسن}، أي ادع يا محمد -صلى الله عليه وسلم- الناس إلى دين الله وشريعته القدسية بالأسلوب الحكيم واللطيف واللين بما يؤثر فيهم، وينجح لا الزجر والتأنيب والقسوة والشدة، وجادل المخالفين بالطريقة التي هى أحسن من طرق المناظرة والمجادلة بالحجج والبراهين. و

 لقد ربَّى الإسلام أتباعه على التسامح وعلى رعاية حقوق الآخرين وعلى الرحمة بالناس جميعًا بغض النظر عن عقائدهم وأجناسهم، فها هو عبد الله بن عمر رضى الله عنهما يقول: حدثنا مجاهد قال: “كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَغُلامُهُ يَسْلُخُ شَاةً، فَقَالَ: يَا غُلامُ، إِذَا سَلَخْتَ فَابْدَأْ بِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَقَالُوا لَهُ: كَمْ تَقُولُ هَذَا؟ فَقَالَ: أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يُوصِينَا بِالْجَارِ حَتَّى خَشِينَا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ”. ويجب على المجتمع الإسلامي أن يؤمِّن لهم كل وسائل الحماية، يقول ابن حزم الأندلسي: “إن من كان فى الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نَخرُج لقتالهم، حتى نموت دون ذلك صونًا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم”. لأن تسليمه بدون إذنه إهمال لعقد الذمة

لقد ضَمِن الإسلام الحرية الشخصية لغير المسلمين بناء على القاعدة التي قررها فقهاء المسلمين: “لهم ما لنا وعليهم ما علينا”، وقد ظفر غير المسلمين بقِسطٍ كبيرٍ جدًّا من الرعاية والحماية في الشريعة الإسلامية ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ آذَى ذِمِّيًّا فَأَنَا خَصْمُهُ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

 لقد أجاز الإسلام حرية العقيدة والعبادة لقوله تعالى: {لَآ إِكۡرَاهَ فِى ٱلدِّينِۖ} [البقرة: 256]، فلا يكره أحد على اعتناقه وإن كان يدعوه إلى ذلك فالدعوة إلى الإسلام شيء والإكراه عليه شيء آخر فالأول جائز والثانى ممنوع. قال الله تعالى فى الدعوة إلى الإسلام: {ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وجدلهم بِٱلَّتِى هِى أَحۡسَنُۚ}.

 أن جميع المواطنين فى الإسلام سواسية كأسنان المشط لا فرق بين فرد وفرد ولا بين مسلم وغيره فالكل يظفرون بعدالة القضاء والمساواة أمامه،ولقد ضرب القضاء أمثلة عديدة على المساواة أمام القانون: ففى زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه لطم ابن عمرو بن العاص والى مصر قبطيا لأنه سابقه فسبقه، فاشتكاه عند الخليفة عمر، فأرسل الخليفة إلى عمرو ابن العاص وابنه فلما حضرا أحضر الخليفةُ القبطى المشتكِى وقال له: أهذا الذى ضربك؟ قال: نعم، قال: اضربه، فأخذ يضربه حتى اشتفى ثم قال له عمر: زد ابن الأكرمين، ثم التفت إلى عمرو بن العاص وقال له: منذ كم يا عمرو تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك