الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

الأسرة المسلمة والنمط الاجتماعي يقلم :- الدكتور عادل عامر

بدأت الكثير من الأسر المسلمة تتخلى عن نمطها المعهود، وتغرق في الأسلوب الحياتي المستورد، غير أنها في تحولها ذاك، لم تتمكن من تجاوز تلك التقاليد والقيم التي تجذَّرت في وجدانها، وفي سلوكها التربوي، رغم المحاولات العديدة المبذولة.

وأيضاً رغم الدعوات المتكررة، التي تدعو إلى تحديث الأسرة المسلمة على غرار الأسرة الغربية، وهي -في أغلبها -دعوات ترفض القيم الدينية، وتحاول -جاهدة -إحلال قِيَم أخرى أفرزتها نظريات التربية الحديثة.

وذلك ضمن نهج متحلل، مسلح بمختلف الوسائل التي تعمل على اقتلاع الأُسُس الأخلاقية، الفردية منها والاجتماعية إن تلك المحاولات قد وجدت تُربة خَصبة للنمو لدى عِدَّة أُسَر مسلمة، كمحاولات للتأثر بهذا النمط الجديد للتقدم الاجتماعي، الذي تحمل شعاراته تيارات مشبوهة تقف -سِرّاً وعَلانية -ضد الأطروحة الإسلامية.

وبين القناعة والتقاليد تعيش الأُسَر المسلمة -كحال المجتمعات الإسلامية -مرحلة حَرِجة من مراحل التطور، التي تظهر بدائل جديدة تَلقى بعض القبول، لأنها تُلبِّي حاجات نفسية مريضة، كما أن هناك تحديات أخرى تواجه الأسرة المسلمة في مختلف المجتمعات الإسلامية، بإمكاننا ذكر نوعين منها:

الأول:

أن هذا التحدي الذي هو نِتاجٌ لعصرنا الحالي، ولا يطرح مسألة خروج المرأة إلى العمل من عدمها، لأن هذه القضية محسومة وليست مَحلّ نقاش الآن.

ولكنه يقف أمام تلك المحاولات التي تريد أن تجعل البيت يفقد قدسيَّتَه، والأسرة المسلمة تسكن الشارع، مما ينتج عن ذلك جيلاً مُشوَّهاً، لا هو أصيل في انتمائه الحضاري، ولا هو قادر على التكيف مع المدنية الحالية.

والمهم أننا فعلاً نواجه -بشكل عام -تحدياً تفرضه طبيعة الحياة المعاصرة، والذين يحاولون تجاوزه كأنهم يحاولون تجاوز الحياة نفسها.

الثاني:

أما التحدي الآخر، فهو نابع من الخارج، ويمكن توضيحه من خلال مستقبل العلاقات بين الآباء والأبناء، فمثلاً إن الأطفال الذين يتعلمون لغات أجنبية تجهلها كثير من الأمهات، ويحسنون التعامل مع الوسائل التقنية الحديثة، فهم يتعاملون مباشرة ودون وسيط مع إنجازات العصر.

أي: أنهم يشكلون أناساً لعصر جديد، يختلفون تماماً عن أمَّهاتهم وآبائهم، وهذا سيدفع إلى الصراع المستقبلي بين الأجيال، ما لم يتمكن الوالدان من تثقيف أنفسهما، واستيعاب المنجزات العصرية الجديدة. والأسرة المسلمة -رغم هذه التحديات -تعيش في بداية القرن الواحد والعشرين على تراكمات ثقافية وحضارية فيها سلبيات كثيرة، وفيها أيضاً إيجابيات. لكن المؤكد أنها لن تعجز عن المواجهة من أجل البقاء، رغم أن جميع المُعطَيات الحالية في العالم الإسلامي تشير إلى تفككها وانحلالها، لكن هناك أيضا مؤشرات تشير إلى عودة الوعي الديني.

مزايا الأسرة النموذجية

لكي تكون الأسرة متميزة، ومحقِّقة لغاياتها النبيلة، لا بد لها أنْ تَتَّصف بما يأتي:

أولاً: العبودية لله:

ويتم من خلال تنشئة أفراد الأسرة على العبودية لله، وغرس مبادئ الإسلام في قلوب أفرادها، وتربيتهم عليها، حتى يكون لِسان حالهم ومقالهم: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام 162.

ثانياً: إحكام الزمام:

ونعني به جدية الوالدين في الحياة الأسرية، وإتقانهم لوظائفهم، وقيامهم بمسؤولياتهم تجاه الأسرة والمجتمع، مع قوة رَبط الأسرة بمحورها، ودفعها لتحقيق أهدافها، وحَثّها للوصول إلى غاياتها

ثالثاً: إبراز القدوات:

وفي مُقدَّمة القدوات الأسرية الوالدان، فكلما استجمعا صفات القدوة كلما ازداد تميُّز الأسرة.

رابعاً: تَنمِيَة المهارات:

اكتشاف مواهب وقدرات أفراد الأسرة ودفعها إلى البروز، وذلك من خلال تنميتها وتشجيعها، وإيجاد الفرص لصقلها ونضوجها، من خلال دورات تدريبية، أو تخصصات أكاديمية، برامج أسرية مثلاً.

خامساً: الإقناع بضرورة التميز:

ويكون بترسيخ القناعة على ضرورة التميز لدى الأسرة، وأن كل فرد من أفراد الأسرة عنده من القدرات والملكات ما يؤهله للوصول إلى ما هو أفضل مما هو عليه الآن ، وأن من العيب أن يقعد الإنسان عن استكمال نقصه .

وفي ذلك يقول الشاعر: ولمْ أرَ في عيوب الناس عَيباً كنقصِ القادِرين على التمام فتترسخ القناعة بالقدرة على التميز في قلب كل فرد منها.

سادساً: تجاوز العقبات:

إن طريق التميز فيه من العقبات ما يقعد أصحاب الهمم الدنيئة، والهمم الضعيفة، ولذلك فإن المتميزين هم أقدر الناس على حَلِّ المشكلات وتجاوز المعوقات.

سابعاً: إتقان فن التربية:

البشر يتفاوتون في طباعهم، ويختلفون في نفسياتهم، وإن كانوا من أسرة واحدة، وتربيتهم وِفق هذه المتغيِّرات يحتاج إلى فَنِّ في التعامل معهم، وكسب ثِقَتهم، وضمان استجابتهم لما يريده من مبادئ وقيم.

 

ثامناً: تهيئة البيئة الأسرية:

التميز لا ينبت في الأرض السبخة والطقس المتقلب الهائج بالمشكلات الأسرية والاضطرابات النفسية، فكلما كان جو الأسرة يسوده التفاهم والتوائم بين الأفراد مع قِلَّة المشكلات الزوجية، كان ذلك عوناً على زيادة فرص التميز والإبداع.

تاسعاً: التقلل من المباحات:

لقد ملئ عصرنا بوسائل اللَّهو، وتفنن في أساليب صرف المرء عن المعالي بألوان من مضيعات الوقت ومفسداته، والإنسان يميل بطبعه إلى التَرَفُّه وحب اللهو بألوانه المتعددة، وصوره المختلفة، مما يعيقه أو يصرفه عن التميز، فأقلِلْ حظَّك من المباحات، واحمِل نفسك على مكابدة الصعود إلى المعالي.

عاشراً: السعي نحو التميز:

التميز نعمة وفضل، والفضل كله بِيَد الله عزَّ وجلَّ، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، قال تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء) آل عمران 26. وقد سلك الأنبياء (عليهم السلام) سبيل الدعاء، وسَلَك المؤمنون سبيلهم (عليهم السلام)، حيث سألوا الله التميز، فقال قائلهم: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) الفرقان 74.

مشكلة الأسرة المعاصرة

مشكلة الأسرة في عصرنا الحاضر مشكلة خطيرة جداً، فقد فقدت نتيجة التغيرات الاجتماعية كثيراً من وظائفها التي كانت تقوم بها من ذي قبل. فأدى ذلك إلى تفكك عرى الأسرة، وانهيار الروابط التي كانت تربطها فيما قبل.

 (والواقع أن من مخاطر المجتمع الحديثة الرئيسية أن الدور الطبيعي الذي كانت تقوم به الأسرة يتضاءل نتيجة لاستيلاء مؤسسات أخرى على كثير من مسؤولياتها، ونخشى نتيجة التضاؤل أن تفقد الأسرة الأثر الفعّال الذي هو من أهم قوى الاستقرار في المجتمع.) .

وقد نجم من تخلِّيها عن هذه الوظيفة كثير من المضاعفات السيئة، وكان من أهمها هو (انهيار الأسرة)، فقد أصبح التقاء المرأة بزوجها وأطفالها التقاءً سريعاً، وأصبحت الأسرة في نظر الكثيرين أكثر شبهاً بـ (الفندق) من دون أن يوجد ذلك الرباط الاجتماعي والنفسي الذي يربط بين أفراد الأسرة، والذي يدعوهم دائماً إلى وضع مصلحة الأسرة فوق كل اعتبار.

فقد أثبتت التجارب العلمية أن الطفل لا ينمو ولا يترعرع على حليب أمه فحسب، بل على عطفها وحنانها كذلك. وهذا الغذاء العاطفي لا يقل أهمية عن الغذاء الجسدي في تنمية شخصيته ومن هنا جاءت أفضلية التغذية الطبيعية من ثدي الأم على التغذية الاصطناعية، ففي الأولى يتمتع الطفل بأمرين هما الغذاء والحنان، وأما التغذية الاصطناعية فإنها تخلو غالباً من شعور الطفل بحنان أمه. ومن هنا يحسن في الأطفال الذي يحرمون من التغذية الطبيعية أن تضمهم أمهاتهم إلى صدورهن، حسب ما ينصح به أطباء الأطفال.

وعلى أي حال فإن الطفل لا ينشأ نشأة سليمة إلا إذا أخذ حظه من الحب والحنان من أمه، وهو – في الغالب – قد حرم من هذه الجهة حين انعزال المرأة عن التربية.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك