الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

 اختلاف الفكر السياسي والتعددية الحزبية بقلم :- الدكتور عادل عامر

أن التعددية السياسية تعني في جوهرها، تعدد في الآراء والأفكار والاتجاهات نحو شؤون المجتمع المختلفة باعتبارها في النهاية تخضع لسياسة نظام الحكم القائم، وسواء كان هذا التعدد فردي أو جماعي في صورة تنظيمية أو غير منظم فإن قبوله في إطار السلطة الحاكمة يمثل ضرورة من أهم ضرورات التعددية السياسية في مجتمع ما وهو يعبر عنه تارة بـ “المعارضة” أو “الرأي الآخر” أو “الحزبية”.

إن حرية الرأي والتعبير تستلزم التراجع الإنساني القوي من رؤى الحداثة لجذور التنوير “تلك الجذور التي كانت مؤمنة بالله، لكنها تسعى للتحرر من استبداد السلطات الدينية بتكريس العقلانية”، ثم التقدم إلى قلب عصر الواقع وثورة التقنية وعوالم المتخيل وشروطه الجديدة، والرفض القاطع للأسئلة المعلبة التي تصلنا بتسليم المفتاح، جاهزة المكونات وطريقة التشغيل. فإن “التعدّدية السياسية” تتضمّن الاعتراف بالتنوّع داخل المجتمع وإمكانية الاختلاف مع ضرورة الاحترام لهذا الاختلاف القائم في العقائد والمصالح والرؤى، والسماح له بالتعبير عن نفسه بحرية وتوفير الظروف التي تتيح له عرض أفكاره وطروحاته السياسية وتفعليها من خلال المشاركة السياسية بكافة مستوياتها وأبعادها. ولا يجادل أحد بمشروعيّة وأصالة وحق “التعدّدية السياسية” في المجتمعات الحديثة

فمثلا التعددية السياسية مفيدة لأن كل نظرية أو فلسفة سياسية ليها حاجات هي صح فيها و ليها بعض نقاط الضعف. و المجتمع ككل يستفيد. فالحوار المفتوح بين جميع الاتجاهات السياسية يفيد المستمع كما هو يفيد المتحاورين. فبكدة يكون فيه وعي اجتماعي مبني على أحسن ما يقدر عليه أصحاب الأفكار السياسية.

 

إن حزب البناء والتنمية الذى طالبت لجنة شئون الأحزاب بحله قد خالف شروط تأسيس أو استمرار أي حزب سياسي وفقا لما هو منصوص عليه في قانون الأحزاب السياسية، مؤكداً أن مذكرة النيابة العامة أثبتت أنه حزب قائم على أساس ديني، وهو ما يخالف القانون، ولذلك طالبت اللجنة بحله.

وأضاف الشوربجى أن الحزب خالف الدستور لكونه قائم على أساس ديني، مما يهدد الحفاظ على الوحدة الوطنية ويمس بالسلام الاجتماعي والنظام الديمقراطي للبلد، كما أن قيادات الحزب منهم من هم متورط فى أعمال عنف وإرهاب، وذلك وفقاً ما انتهت إليه النيابة.   وتابع رئيس لجنة شئون الأحزاب، أيضا وفقا ما قالته مذكرة النيابة فإن مصادر تمويل الحزب غير معروفة وهو ما يخالف القانون أيضا الذى نص على علانية وسائل ومصادر تمويل الأحزاب.

وأشار الشوربجى إلى أنه من المنتظر أن تحدد المحكمة الإدارية العليا جلسة خلال أسبوع لنظر حل الحزب، وذلك وفقا للمادة ( 17 ) من قانون الأحزاب، على أن تفصل المحكمة فى الأمر خلال 30 يوما على الأكثر من تاريخ هذه الجلسة التي تحددها المحكمة.

وفيما يتعلق بموقف الأحزاب الخمس الأخرى، والتى كانت اللجنة قد أحالت أوراقهم أيضا على النائب العام وهى أحزاب النور والوسط والاستقلال وغد الثورة والوطن، قال الشوربجى، إن اللجنة تنتظر مذكرة النيابة العامة بشأن هذه الأحزاب حتى تتخذ ما تراه مناسباً وفقاً لما يأتى فى مذكرة النيابة ووفقاً لقانون الأحزاب السياسية.

وأضاف الشوربجى، أنه كانت قد قدمت عدة شكاوى وبلاغات ضد هذه الأحزاب تتهمها بأنها أحزاب دينية وتقوم بممارسة أعمال إرهابية، مشيراً إلى أن اللجنة لم يصلها سوى مذكرة النيابة بشأن حزب البناء والتنمية، وبناءاً عليها قررت لجنة شئون الأحزاب إحالة أوراق الحزب للمحكمة الإدارية العليا لتحديد جلسة لحله وتصفية أمواله وتحديد الجهة التى يؤول إليها، وذلك لمخالفته قانون الأحزاب السياسية.

كانت لجنة شئون الاحزاب برئاسة المستشار عادل الشوربجى قررت ، إحالة أوراق حزب البناء والتنمية، إلى الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، لتحديد جلسة طبقا للقانون للنظر فى طلب حل الحزب وتصفية أمواله وتحديد الجهة التى يؤول إليها.

وجاء قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية بهذا الشأن فى ضوء مخالفة الحزب للبنود ثانيا وثالثا ورابعا وخامسا وسادسا من المادة الرابعة من قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 والمعدل بالمرسوم بقانون رقم 12 لسنة 2011.

لذلك نقول :-

إن الممارسة الديمقراطية على ارض الواقع تحتاج إلى توفير مصادر المشاركة السياسية في اتخاذ القرارات وتحديد الخيارات العامة، إلى جانب الحق القانوني والسياسي الذي ينص على مشاركة الملزمين بتلك القرارات والخيارات العامة في اتخاذها

 وعليه فمن خلال إعطاء الحرية لتشكيل الأحزاب السياسية وجماعات الضغط وجماعات المصالح ومؤسسات المجتمع المدني…الخ. ستكون هناك حرية لكل أطياف المجتمع في أن تشكل هذه التكوينات السياسية لتعبر عن رأيها وتدافع عن مصالحها وتسهم بشكل أو بآخر في التأثير على القرار السياسي، مما يؤدي في النتيجة إلى خروج قرارات متوازنة تلبي مصلحة الجميع دون أن تغبن حق فئة أو طائفة أو مجموعة داخل المجتمع، هذا من جانب، من جانب آخر الممارسة الديمقراطية ستكشف لنا عن وضع السلطة السياسية التي لم تعد حكراً لحزب معين او لفئة معينة على حساب الآخرين، وإنما السلطة أصبحت من الممكن إدارتها من قبل الأحزاب والحركات السياسية التي ستحصل على الأغلبية من أصوات الناخبين إثناء العملية الانتخابية وهذا ما ستحدده صناديق الاقتراع العام بعد فرز الأصوات .

وبذلك فان مبدأ التداول السلمي على السلطة قائم على أساس المنافسة الحرة النزيهة ما بين القوى السياسية المتعددة، حيث تتم هذه المنافسة في إطار الأحكام الدستورية والقانونية دون الخروج عنها، لان الخروج عنها يعني خروج عن القانون والنظام، وبالتالي خروج عن العملية الديمقراطية بأسرها. وبهذا فان التداول السلمي على السلطة إنما يعني الرضا والشرعية التي يمنحها الشعب للسلطة في مزاولة أعمالها المنصوص عليها في القانون من قبل الحزب او الأحزاب المؤتلفة التي حصلت على هذا الرضا والشرعية بعد الانتخابات.

الشاهد أننا لا يمكننا بحال من الأحوال أن نفهم أبعاد وكنه الظاهرة الإرهابية بعيدا عن السياقات الاجتماعية التي تعزز السلوك الإرهابي الأصولي، ذلك أنه في الزمان والمكان اللذين يوفران مفهوما صحيحا للمواطنة، يستشعر الفرد أنه جزء أصيل من هذا المجتمع، وعليه واجب أخلاقي وأدبي، إيماني وديني، بالذود عنه والدفاع عن ترابه ومقدساته وهنا تنصهر المصلحة الخاصة للفرد في المصلحة العامة للدولة، ما يكسب الأوطان والمجتمعات السليمة نفسيا درعا وسيفا، درعا للتصدي للإرهاب والتطرف الوافد من الخارج، وسيفا لمقاتلة إغراءات الانتماء للجماعات الإرهابية التي تمتلئ شرا وكراهية.

أن الإرهاب والمواطنة مفهومان متناقضان والعلاقة بينهما علاقة عكسية، بمعنى أنه كلما علا شأن المواطنة،  والتعددية السياسية تناقص خطر الإرهاب، وبالعكس عندما تختبئ وتختفي المواطنة تظهر الذات والأنا غير المستنيرة، وتغلب الأهواء الشخصية على المصالح العمومية، وتمضي بنا السبل إلى الكارثة التي تعمق الإرهاب، التي يمكننا أن نجملها في كلمة واحدة «الطائفية والتمذهب»، فعندما تصير الأوطان طوائف ومذاهب، تغيب من سماء السماوات ملامح ومعالم المواطنة.

تنشأ الأصوليات ويزدهر التطرف حكما عندما تضيق ساحات ومساحات المواطنة، ويغيب حس الانتماء للوطن، وتقاطعات الإرهاب والأصولية مع الدوافع المرتبطة بالمواطنة واضحة أمام الجميع، وفي مقدمتها الدوافع السياسية، فالكبت والقمع السياسيان يعنيان بشكل مباشر افتيات على حق طبيعي لأفراد بعينهم وحرمانهم من ممارسة ومشاركة بناء الأوطان، ما يدفع هؤلاء إلى عنف سياسي لفظي وفكري، لا ينفك أن يضحي جسديا وماديا ملموسا.

وفي غياب المواطنة  والممارسة السياسية الصحيحة تتعمق حالة الاضطراب الاجتماعي ويزداد المجتمع تفسخاً وتتراكم طبقات الحقد الأصولي عطفا على انحلال عقد الأسرة وغياب المثل الصالح، وفي هذه المناخات يسهل جدا أن يتم تجنيد أصحاب اللاانتماء، وتفيض حالات اللامنتمي، وهؤلاء هم الوقود البشري الجاهز أبدا ودوما للانفجار والاشتعال في الحال والاستقبال.

إن سد مسارب الأمل أمام المواطنة والمساواة والتعددية، يترك مجالات الصراع الحضاري والقومي مشتعلة، لا سيما أن الاختلاف ينشئ خلافا ثم صراعا ثم استبدادا ثم انقساما، في حين أن المنهج الحضاري العصري الذي تنشده كل شعوب الأرض، فيه التنوع ينشئ الحوار، والحوار يدور في دائرة التعارف والتسامح والعيش المشترك، وقد بات على العالم المتناحر اليوم أن يختار بين ثقافة الجدار وثقافة الشجار وثقافة الحوار، وخياراته ستكون الإرث الذي سيتركه للأجيال القادمة قطعا. لا مواطنة من دون عدالة اجتماعية، حقيقة مؤكدة، ولا مواطنة من دون نبذ التطرف الفكري، غير أن الركيزة الرئيسية وحجر الزاوية في بناء أفكار دولة المواطنة يتصل بالتعليم والتربية، فهما جناحا المواطنة الساعية لإحقاق حقوق الآخر، أدبيا وماديا، وبعيدا عن التعصب والأحادية، التعليم والتربية هما الطريق إلى المعرفة المستنيرة، التي تفسح الطريق أمام القضاء على ثقافة الإلغاء والإقصاء التي تحتل عادة عقل ممارسي العنف والإرهاب، وتوجه أصحاب الأصوليات.

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك