الجمعة - الموافق 19 أبريل 2024م

أهداف ما بعد الصافرة .. بقلم عبد الرازق أحمد الشاعر

Spread the love

في ملاعب الكرة، تبدأ المباريات بصافرة، وتنتهي بصافرة، وبين الصافرتين تهدر الكثير من الفرص، وتكثر الالتحامات، وتتوالى الإصابات، ومن المدرجات تنطلق الصيحات المستهجنة، والهتافات المشجعة، ويتكرر القفز في المكان وضرب الجباه والصدور والخواصر، وتهز الأهداف قلوب المشجعين وأردافهم قبل أن تهز شباك الخصوم؛ لكن بعض المباريات تسبق صافرة الحكم، ولا تتقيد بعدد اللاعبين ولا تعترف بالكروت الملونة ولا الرايات عند الزوايا. وهناك مباريات لا تدخل أهدافها الشباك إلا بعد صافرة النهاية، ولا تحتسب أهدافها لمجرد اجتياز الكرة للخط الأبيض تحت أقدام حارس المرمى. ربما كانت رواية رشيد بوجدرة واحدة من تلك المباريات التي تستحق المشاهدة – أقصد القراءة.

في أجواء مثيرة، تبدأ أحداث رواية “الفائز بالكأس” داخل ملعب “كولمب” الذي يكتظ بآلاف المتفرجين لمشاهدة المباراة الختامية بين فريقي أنجي وتولوز. لكن المباراة لم تكن فرنسية خالصة هذه المرة، كما لم تكن أهدافها كروية تماما. صحيح أن كل اللاعبين الذين ذهبوا إلى غرف الملابس كانوا في غاية الحرص على رفع الكأس عند منصة التتويج، لكن من قال أن اللاعبين وحدهم يستطيعون تسجيل الأهداف ورفع الرايات؟ أحيانا يكون بين صفوف المتفرجين من يستطيع تغيير جدول المباريات وتعديل النتائج، فهل هذا ما أراد بوجدرة حدوثه، أم أنه لم يكن سوى مجرد شاهد على أحداث كانت جديرة حقا بالوقوع؟

كانت المسافة بين مناضلي الجزائر وخائنيها أضيق من أن تُرى داخل الملعب الفرنسي الشهير، فكلا الفريقين يرطن بالعربية المكسرة ويحمل فوق رأسه تاريخا مضمخا بالذكريات المرة، لكن شتان بين من يجلس في مقاعد الدرجة الثالثة ومن يجلس في المنصة الشرفية بين أصحاب الشراشف البيضاء. لم يكن محمد بن صدوق يتابع مجريات المباراة، ولعله لم يشهد مباراة واحدة من داخل الاستاد، لكن القدر أراد له أن يسجل أعظم أهدافه بعد صافرة الحكم أمام 40 ألف مشاهد لم يعرف معظمهم شيئا عن القضية.

كان ثوار الجزائر قد قرروا نقل أحداث المعارك الدامية بينهم وبين المحتل الفرنسي من القصبة والأوراس وجرجرة إلى عقر دار الديوك الفرنسية، وكان على صاحبنا أن يسدد هدفا مباغتا نحو رأس الخائن الباشاغا علي شكال، وكان موعد التنفيذ قبل استلام الكأس بدقائق. ولم يخيب محمد بن صدوق أمل رفاقه، وهكذا انتهت أحداث المباراة بفوز تولوز بالكأس، وفوز الفدائي بالرأس في لحظتين لم يفصل بينهما سوى صافرة الحكم. صحيح أن فرحة جماهير تولوز الذين لم يعرفوا سببا لحادثة الاغتيال كانت منقوصة، لكن فرحة بن صدوق ورفاقه من فدائيي الجزائر كانت تفوق الوصف، رغم أنه لم يحمل الرأس في الهواء أو يلتقط الصور التذكارية مع الجماهير كما يحدث في هذه المناسبات عادة.

الملاعب إذن ليست حكرا على لاعبي الكرة، كما أنه ليس من الضرورة أن يكون منظمو البطولات الكروية رياضيين جدا. فلا أحد يعلم ما يدور في نفوس القاعدين في المنصات الشرفية، ولا ما يختلج في صدور الجالسين وسط مقاعد الجماهير ليراقبوا منصات غير كروية أبدا؛ فكل يغني على أهدافه كما يريد أن يقول المفكر العبقري المستنير رشيد بوجدرة في روايته العبقرية، وحتى “ضربة الجزاء” التي نقلت الرواية من الفرنسية إلى العربية لم تكن محايدة تماما.

علينا إذن أن نستمتع بمشاهدة المباريات، دون أن نغض الطرف عن أكمات السياسة ومن وراءها. فالمعارك السياسية لا تحسم بالضرورة فوق جبهات القتال، والذين جاءوا من كل حدب ليشهدوا منافع لهم يعرفون تماما أعداءهم، وينتظرون الصافرة المناسبة لتحقيق أهدافهم التي تهز القلوب لا الشباك، وتعرف الناس بقضاياهم التي ربما تكون عادلة جدا. كثيرة هي الفرق التي تبحث عن تحقيق أي انتصار في موسم يختلط فيه حابل الناس بنابلهم وشرقيهم بغربيهم بشرق أوسطيهم. ندعو الله أن يجنب منظمي كأس العالم في قطر فتن السياسة ومكائد السياسيين حتى تخرج البطولة في أبهى صورها لنعيد تسويق أنفسنا بعد عقود ارتبطت فيها الهوية العربية والإسلامية ظلما وزورا بالعنق والقتل والتخريب.

 

 

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك