الخميس - الموافق 28 مارس 2024م

أثار التصالح في جرائم العدوان علي المال العام .. بقلم الدكتور عادل عامر

يلعب المال العام دور هام في حياة الدول والمجتمعات، بفضل دوره في تمكين مرافق الدولة من القيام بواجباتها في إدارة المرافق العامة، وتقديم خدماتها للجمهور. وقد كان المال العام محل استهداف كبير ممن سولت لهم أنفسهم الاعتداء عليه، وقد مكنت الصفة الوظيفية العديد من الأشخاص من الاستيلاء على المال العام ؛ ونظرا لخطورة هذه الجرائم فقد شدد المشرع العقاب على هذه الجرائم، تحقيق للردع اللازم، وكان الاتجاه السائد على مستوى قانون الإجراءات الجنائية هو عدم التصالح في هذه الجرائم، إلا أن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها مصر عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ و٣٠ يونيو ٢٠١٤ دفعت للمطالبة المستمرة بمحاسبة مرتكبي جرائم الاعتداء على المال العام، بما يضمن تحقيق العدالة في مواجهة مرتكبي هذه الجرائم من ناحية واسترداد الدولة لمالها العام المسلوب بطائفة من صور الفساد المالي والإداري ، ولصعوبة تحقيق هذه الأهداف مجتمعة، قام المشرع بإصدار القانون رقم ١٦ لسنة ٢٠١٥ والصادر في ١٢ مارس ٢٠١٥ الذي أجاز التصالح الجنائي بين الدولة والمتهم ، إذ أجاز بمقتضاه التصالح في جرائم الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات الخاصة بجرائم الاعتداء على المال العام. التصالح في جرائم العدوان على المال العام وتسعى هذه الدراسة لتحليل هذا القانون ودراسته على نحو يبين مزاياه وعيوبه، وجدواه القانونية

والاجتماعية والاقتصادية.

يسمح بإضافة المادة (18) مكرر فقرة (ب) وتجيز التصالح في الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات ، بموجب تسوية بمعرفة لجنة من الخبراء يصدر بتشكيلها قرار من رئيس مجلس الوزراء ويحرر محضر بها يوقعه أطرافه و لا يكون نافذاً هذا التصالح إلا باعتماده من مجلس الوزراء ويعد الاعتماد بمثابة توثيق له بدون رسوم فيكون لمحضر التصالح في هذه الحالة قوة السند التنفيذي .

2- نطاق التعديل وأهدافه :

تسرى أحكام التصالح على كافة الجرائم المقررة فى الباب الرابع من الكتاب الثانى بقانون العقوبات . وأخصها جريمة اختلاس المال العام ، وعقوبتها السجن المشدد وقد تصل إلى السجن المؤبد طبقاً للمادة ( 112) . وكذلك جرائم الإستيلاء بغير حق على المال العام أو تسهيل ذلك للغير، وعقوبتها السجن المؤبد أوالمشدد طبقاً للمادة 113 . وكذا جناية الغدر بطلب ما لا يستحق أو ما يزيد على المستحق مع العلم بذلك إذا وقع من موظف عام له شأن فى تحصيل الضرائب أو الرسوم أو العوائد أو الغرامات أونحوها وعقوبتها السجن المشدد أو السجن لاسيما المادة (114) . كما يسرى التصالح على جريمة التربح من الوظيفة وعقوبتها السجن المشدد المادة (115) .

وكذلك فإن جريمة تعدى الموظف العام على أرض زراعية أو فضاء أومايعتبر مالاً عاماً ، أو سهل ذلك لغيره والعقوبة هى السجن وقد تصل إلى السجن المؤبد أو المشدد فى ( المادة 115 مكررا) . ثم جريمة إضرار الموظف عمداً بالمال العام أوالمعهود به إليه وعقوبتها السجن المشدد ( المادة 116 مكرر) ، أما المادة (116مكرر أ ) هى فعل إدارى ويرقى إلى الجريمة الجنائية كلما ترتب على فعل الموظف إضرار جسيم بالأموال العامة نتيجة الإهمال أوإساءة استعمال السلطة.

كما لاتسقط الدعوى التأديبية فى جريمة المادة (116مكرر أ) مالم تسقط الدعوى الجنائية.

ويلاحظ أن المشرع لم يستثنى جريمة المادة (117) وهى إستخدام العمال سخرة وأحتجاز أجورهم بدون مبرر كلها أو بعضها وأن كانت لاتدخل ضمن جرائم الأموال العامة بطريق مباشر . وكذلك التخريب أو الإتلاف أو وضع النار عمداً من الموظف العام فى أموال الجهة التى يعمل بها . كما يمتد نطاق التصالح إلى الجريمة المنصوص عليها بالمادة (18) من قانون 62لسنة 1975بشأن الكسب غير المشروع وهو ماقررته صريح نص المادة (14مكرر) مضافة من قانون 97لسنة 2015.

ويلاحظ أنه نطاق واسع كان الأجدر أن يكون أضيق نظراً لصعوبة الفترات الإنتقالية وتنوع عثرتها. ويلاحظ أنه إذا إرتبطت أحد الجرائم الجائز فيها التصالح بجريمة أخرى كالنصب والتزوير فإنه لايمتد اليها ويظل التصالح مقصوراً عليها وحدها ، وهو ماتسير على أحكام النقض فالتصالح ذو أثر عينى خاص ينال الجريمة المراد التصالح فيها فقط .

ثانياً / وسائل تفعيل مستجدات التصالح :

أوجبت المادة (18) مكرر (ب) المضافة بالقانون 16لسنة 2015الإلتزام بألية إجرائية لتقرير التصالح وهى تختلف بأختلاف سلطة من يقرره فقد يكون لمجلس الوزراء بناء على تسوية لجنة من الخبراء وقد يكون من النيابة العامة أوقد يكون لمحكمة النقض بأحدى دوائرها الجنائية وذلك التباين المتنوع يتم بحسب ما إذا كان المتهم أوالمحكوم عليه دعواه الجنائية مازالت قيد التحقيق أوالمحاكمة وبحسب ماإذا كان محبوساً نفاذاً لحكم بعد صيروته باتاً كالتالى :

1- الياته أثناء التحقيق والمحاكمة :

فقبل صيرورة الحكم باتاً يتوجه من يرغب فى التصالح إلى مجلس الوزراء ليعرض تفعيله والإستفادة من محاسنه فيقوم المجلس بدوره بتشكيل لجنة من الخبراء تعمل على تسوية الوضع القانونى والمالى مع المتصالح وعند الإتفاق تحرر اللجنة محضراً موقعاً من أطرافه ( اللجنة والمتصالح ) ثم يعرض المحضر على مجلس الوزراء لإعتماده حتى يكون نافذاً ولكى يكتسب صفة الرسمية وحجية السندات التنفيذية ويوثق بلارسوم .

وعلى مجلس الوزراء أخطار النائب العام بمضمون محضر التصالح وبماتم فيه من إجراءات لاسيما إذا كانت الدعوى فى مرحلة التحقيق أوالمحاكمة ويترتب على ذلك إنقضاء الدعوى الجنائية محل التصالح بكامل أوصافها وعلى النيابة العامة أن تأمر بوقف تنفيذ العقوبات المحكوم بها على باقى المتهمين

. كما ينبغى أن يحافظ التصالح على الضمانات أثناء سير الدعوى ، فلايجب أن تطغى المصالح أثناء المصالحة أوتتعثر خطى السياسة الجنائية الإجرائية فى مسارها الصحيح . كما تتولى لجنة الخبراء أعداد الدراسات الفنية والتقارير التفصيلية وسرد الوقائع وربطها بالأدلة القانونية للتأكد من جدية طلبات التصالح وتستعين بالخبرات الفنية وتمسك سجلات تقيد فيها كافة بيانات التصالح فتقوم بجردها وحصرها وتقييمها وفقاً لأسعار السوق . كما تتلقى كافة الطعون فى قرارتها بعد أن تعلن المتصالح بخطاب مسجل .

2- الياته بعد صيرورة الحكم باتاً :

ففى حالة ما إذا كان المحكوم عليه محبوساً نفاذاً لهذا الحكم ، فجاز له أو لوكيله الخاص أن يتقدم إلى النائب العام بطلب لوقف التنفيذ مشفوعاً بالمستندات المؤيدة له والتى سبق الموافقة عليها من لجنة الخبراء بتسوية وضعه القانونى والتصالح معه فى الجرائم المنصوص عليها فى الباب الرابع من الكتاب الثانى لقانون العقوبات . وعلى النائب العام أن يرفع الطلب لمحكمة النقض مشفوعاً بهذه المستندات ومذكرة برأى النيابة العامة و خلال 10أيام من تقديمه .

فيعرض على أحدى دوائر محكمة النقض الجنائية منعقدة بغرفة المشورة لنظره من الناحية القانونية ولتأمر بقرار مسبب منها بوقف تنفيذ العقوبات نهائياً بعد التحقق من شروطه وإجراءته المنصوص عليها ، على أن يكون الفصل فى الطلب خلال 15يوم من تاريخ عرضه على المحكمة وبعد سماع أقوال النيابة العامة والمحكوم عليه فى الدعوى .

ويكون التصالح سبب خاص لإنقضاء الدعوى إلا أن غياب وجود نص يوضح المعيار الحاسم للمقابل المادى لإنقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح يفقد الأثار جدواها . فيجب أن يقترن بالأثار الجنائية نص يوضح ضرورة رد وإعادة كل مانهبه المتصالح من أموال فى الخارج والداخل مع التحفظ بالحصول على هذه الأموال كلما ظهرت مستقبلاً ، وذلك ضماناً لصون مبدأ المساواة فى النصوص الجنائية وغيرها والذى يشكل خرقه بطلب الأموال بأى طريق حتى ولو بالتضحية بالثوابت الإجرائية والجنائية وهو مايمثل ضمانة لأحترام الدولة القانونية بعد اللحظات الثورية عموماً .

كما يلاحظ ان للدولة المصرية تجربة فى التصالح على جرائم المال العام بمقتضى المرسوم بقانون رقم 4لسنة 2012وفيه يتصالح مع المستثمر بهدف إسترداد الأموال المنهوبة ودفع عجلة التنمية بعدما تدنى الدخل القومى وأرتفع العجز فى الموازنة وأزدياد التضخم والبطالة . وهنا يمكن أن تتحول جرائم الفساد إلى مجرد أخطاء إدارية يمكن تدارك عواقبها بإعادة التقييم المالى والتوازن العقدى للتعامل ، وربما تفقد العقوبة بوصلى الردع كأحد شروطها الناجعة اصلاً .

كما يتضح من المرسوم بقانون أنه قد فرق بين التصالح قبل صدور حكم نهائى وبعد صدوره ، ففى حالة قبل صدوره فعلى المستثمر أن يرد كافة الأموال والعقارات والأراضى محل الجريمة أومايعادل قيمتها السوقية وقت إرتكاب الجريمة بمعرفة لجنة خبراء يصدر بتشكيلها قرار من وزير العدل وهو ماندعو إلى أن يستمر فى قانون التصالح الحالى .

أما بعد صدور هذا الحكم النهائى غير البات بالإدانة فإنه يلتزم فوق ذلك بالوفاء بكامل العقوبات المالية المقضى بها والتى يكون من بينها الغرامات ومصادرة الأموال المتحصلة من الجريمة وكافة الأثار والفوائد الناتجة عن أستخدام هذه الأموال فى الفترة التى أختلس المال وحتى إنصياعه للتصالح بإرادته المنفردة بمايبرهن على أهمية هذه النصوص عموماً.

كما يلاحظ أن مرسوم 4لسنة 2012نص على عدم إمتداد التصالح لباقى المتهمين مع المستثمر على ذات الواقعة فلايستفيدون منه فله أثر شخصى يمكن أن يفيد فى الحيلولة من إرتكاب جرائم جديدة يستفيد منها المساهمون وهو حكم مغاير لماعليه المادة (18مكرر ب) حيث يمتد التصالح إلى باقى المتهمين دون إخلال بمسئولياتهم التأديبية . كمايلاحظ أن المادة (66مكرر من قانون 8لسنة 1997) والمضافة بمرسوم 4لسنة 2012تعطى ضمانات تتعلق بالتسوية تتضمن ضرورة الحفاظ على المال العام وبمايحقق التوازن العقدى حتى لاتفقد الدولة سمعتها الإقتصادية .

ثالثاً / موقف محكمة النقض من التصالح فى جرائم المال العام :

سايرت محكمة النقض المعطيات الجديدة لنص المادة (18مكرر ب ) إجراءات ، فأعترفت بالمضامين الواردة به لترسى قواعد جديدة منها تكييف التصالح على أنه قاعدة لها أثر موضوعى بالرغم من وروده فى صلب قانون الإجراءات ورتبت على ذلك نتائجه .كما أقرت أمتداد أثاره لباقى الشركاء والمساهمين ، وبجواز إنتهاء التصالح فى الجنايات بواسطة الوكيل الخاص فلم تشترط حضور المتهم بنفسه وشخصياً ، وعلى ذلك ينحصر موقف محكمة النقض فى الأتى :

(أ) التصالح قاعدة إجرائية ذات أثر موضوعى :

فقررت أنه ( لما كان ظاهر النص المضاف رقم 18مكرر فقرة (ب) أنه بمثابة نص إجرائى إلا انه يقرر قاعدة موضوعية مفاداها يقين حق الدولة فى العقاب ، وذلك بتقرير إنقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح بدلاً من معاقبة المتهم وهو مايتحقق به معنى القانون الأصلح للمتهم فى مفهوم المادة (5) عقوبات وهو الذى يتبع دون غيره حماية لقرينة البراءة .

وإستطردت المحكمة بقولها …. طالما إنشىء له وضعاً أفضل ومن ثم يسرى من يوم صدوره على واقعة الدعوى ، وطالما لم تنته بحكم بات عملاً بحكم المادة (35) من قانون 57لسنة 1959بشأن حالات وإجراءات الطعن بالنقض والتى تخول للمحكمة أن تقضى بالحكم من تلقاء نفسها إذا ماصدر بعد الحكم المطعون فيه قانوناً أصلح للمتهم يسرى على واقعة الدعوى ومن ثم يتعين أن تقضى بنقض الحكم المطعون فيه والإعادة بغير حاجة إلى بحث أوجه الطعن ).

(ب) أمتداد أثار التصالح للمساهمين :

وهى قاعدة قد تساهم فى الإسراف فى التصالح دون معرفة نطاقه الشخصى حينما يتحصن بأثار التصالح من هم غير أطرافه . ولهذا فقد النقض ( أن نص الفقرة الأخيرة من المادة 18مكرر ب يقرر فى جميع الأحوال أن يمتد أثر التصالح إلى جميع المتهمين أو المحكوم عليهم دون المساس بمسئوليتهم التأديبية ) .فتتبنى المحكمة الأثر العينى للتصالح وليس الشخصى من الناحية الجنائية وتهمل ذات الجانب فى النواحى الإدارية فيظل الفعل مؤاخذ عليه تأديبياً بمايتعين الأخذ بحرية المحاكم التأديبية أوالسلطة الرئاسية أوالجهات الرقابية متابعة الملاحقة .

(ج) تقديم طلب التصالح من الوكيل الخاص :

فنظراً لإن معظم طالبى التصالح قد يكونوا هاربين من تنفيذ الأحكام وغير موجودين بالبلاد فقد أتاح القانون تقديم طلب التصالح من المتهم أوالمحكوم عليه أو وكيله الخاص لذا قررت النقض ( ويقدم طلب التصالح من المتهم أو المحكوم عليهم أو وكيله الخاص ويجوز للأخير إتخاذ كافة الإجراءات المتعلقة بإعادة إجراءات المحاكمة في غيبة المحكوم عليه في الأحكام الصادرة غيابياً ) . ويأسف الباحث لبعض التطبيقات التى تجافى سليم القانون فهناك بعض دوائر الجنايات لاتقبل حضور المتهم بتوكيل خاص وتستلزم حضوره شحصياً وإتباع سياسة الكيل بمكيالين فى إتمام العملية الإجرائية وتنعدم فرص المساواة والعدالة فى كافة الضمانات المقررة .

رابعاً / النتائج المترتبة على صحة التصالح :

(أ) النتائج الأصلية لمعطيات التصالح :

حينما تتوافر الشروط المنصوص عليها بالمادة (18) مكرر فقرة (ب) وبعد التحقق من السلطة المختصة بتقرير التصالح سواء أكانت رئاسة مجلس الوزراء بلجنتها الفنية أو النائب العام أو الدوائر الجنائية لمحكمة النقض بحسب الأحوال فإن الأثر المباشر والفورى هو إنقضاء الدعوى الجنائية عن الواقعة محل التصالح بجميع أوصافها وكيوفها وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ كافة العقوبات المحكوم بها .

فيمتد أثر التصالح ليسرى على جميع المتهمين والمحكوم عليهم وذلك دون أن يمس بمسئولياتهم التأديبية على أعتبار أن تلك الجرائم تتم فى المجال الوظيفى ويرتكبها موظف له من الصلاحيات والمكنات فلايحب التهاون فى عقابه تأديبياً حتى تتطهر المرافق العامة من العابثين بمقدرات الشعب والمستغلين لنفوذهم المستشرى فى مفاصله على الدوام .

وطبقاً للمادة (14)مكرر فقرة ب من تعديلات قانون الكسب غير المشروع بالقرار بقانون رقم 97لسنة 2015 فإنه إذا كان الفعل الْمُكَوِّنُ لِجَرِيمَةٍ الكسب ينطوى على جرائم متعددة صدر فى أى منها قرار أوحكم بإنقضاء الدعوى أووقف تنفيذ العقوبة نهائياً لذات السبب ، فيترتب على ذلك بقوة القانون إنقضاء الدعوى بالتصالح عن جناية الكسب غير المشروع أووقف تنفيذ العقوبة نهائياً ، فيقتضى الأمر إمتداد أثر التصالح على النطاق العينى للجرائم.

ويترتب على التصالح رفع أمر المنع من السفر والتحفظ على الأموال كلما صدر قرار بألاوجه لإقامة الدعوى أوإنقضاؤها بصدور حكم نهائى بالبراءة أيهما أقرب ، كما تنقضى كافة التدابير التحفظية التى قد تعرقل إنتظام المسارات الوظيفية فى نطاقها المألوف ويمكن إستخدام وسائل الساسية الإدارية فى ذلك . ويجب أن يشتمل أمر المنع من التصرف على تعيين من يدير الأموال المتحفظ عليها، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على قيمتها، وإضافة العائد لحساب المتهم أو من شملهم أمر المنع، بعد خصم مصاريف الإدارة الفعلية بما لا يجاوز (10%) لصالح إدارة الكسب غير المشروع.

وقضت محكمة النقض بضروة جدية طلب التصالح حتى تترتب أثاره بقولها ( أن نظام التصالح إختياري بما لازمه على هذه المحكمة أن تتحقق من أن الطاعن جاد في طلب التصالح وهو ما تفتقره أوراق الطعن والقول بغير ذلك فيه إطالة أمد التقاضي وتعطيل الفصل في طعن بحالته صالح للفصل فيه عملاً بنص المادة 39 من قانون رقم 57 لسنة 1959 ، كما يتنافى مع العدالة الناجزة انتظاراً لتصالح الطاعن أو وكيله الخاص الذي قد يتعذر إتمامه أو يتراخى ).

ويتسأل الباحث : حول فرضية مدى إعتبار إنقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح سابقة فى العود وهى فرضية لم يحسمها المشرع المصرى ولكن يمكن التفرقة بين فرضين لحسم هذه الإشكالية فى ظل الصمت التشريعى ؟؟ .

• الفرض الأول/ قبل صيرورة الحكم باتاً :

فإنه لايعد سابقة فى العود بحيث إذا ما ارتكب المتصالح جريمة جديدة لايمكن تشديد عقابه بالنظر إلى جرائم المال العام فهى من الجنايات الموصوفة. كما أن نص المادة (49) عقوبات يعتبر السرقة والنصب وخيانة الأمانة جنحاً متماثلة في العود طبقاً للقواعد العامة . فكلما أستمرت العملية الإجرائية فى مسار التحقيق وحتى صدور أحكام نهائية غير باتة فأنها لاتعد سابقة فى العود لاسيما وأن أثار التصالح تبرهن على إنقضاء حق الدولة فى العقاب نهائياً .

فطالما أخطر مجلس الوزراء النائب العام بمضمون التصالح وبما تم اتخاذه من إجراءات وضمانات فإن الأخير يصدر قراراً بإنتهائها فتنقضى جميع أوصافها ولو فى مراحل التحقيق أوالمحاكمة ويتم وقف تنفيذ العقوبات ، وما دامت الدعوى الجنائية المرفوعة عليه، لم يفصل فيها بحكم بات، عملا بنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات، بحسبانه قد قيد حق الدولة في العقاب ، بتقريره انقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح بدلاً من معاقبة المتهم .

• والفرض الثانى / بعد صيرورة الحكم باتاً :

فإنه قد يصلح لكونه سابقة فى العود وطالما كان المحكوم عليه محبوساً نفاذاً للعقوبات المقررة أى ينفذ العقوبات السالبة للحرية فعلياً بمايؤكد ضرورة إقتضاء حق الدولة فى العقاب وبالتصالح مايبرهن عن التنازل . و أنتهت النقض إلى أن الطاعن إذا أدين بجرائم التربح والإستيلاء المرتبط بالتزوير ، وكان قد صدر المرسوم بقانون 16لسنة 2015بأضافة المادة (18مكرر /ب) والتى تتضمن جواز التصالح فى جرائم المال العام وهو مايتحقق به القانون الأصلح للمتهم إذ أنشىء له مركزاً قانونياً جديداً ، ممايتعين على محكمة النقض أن تنقض الحكم تلقائياً فهو قانون تحديثى .

فطبقاً للمادة (50) عقوبات فإن أثار العود يستجلى مضامينها القاضى الجنائى بقولها ( يجوز للقاضي في حال العود المنصوص عنه في المادة 49عقوبات أن يحكم بأكثر من الحد الأقصى المقرر قانوناً للجريمة بشرط عدم تجاوز ضعف هذا الحد . ومع هذا لا يجوز في حال من الأحوال أن تزيد مدة السجن المشدد أو السجن على عشرين سنة ) .

(ب) النتائج التكاملية للتصالح مع المادة (208) مكرر (د) :

اقترن القانون 16لسنة 2015بنص المادة (208فقرة د) والمادة (208فقرة ه) وهما مادتان تقرران قواعد مستحدثة لمنع إستمرار أثار الإنحراف . وحتى تتكامل الحماية الجنائية مع المدنية والإدارية التى تمتد إلى أموال الورثة الذين يستفيدون من مورثهم المتصالح معه بمالاينهى الدعوى الجنائية وتظل سارية وتقضى المحكمة فيها بالرد .

وحيث إنه لما كانت المادة 208 مكرر (د) من قانون الإجراءات الجنائية ، قد نصت في فقرتها الأولى على أن ” لا يحول انقضاء الدعوى الجنائية بالوفاة قبل أو بعد إحالتها إلى المحكمة دون قضائها بالرد في الجرائم المنصوص عليها في المواد 112, 113 فقرة أولى وثانية ورابعة, 113 مكررا فقرة أولى 114, 115 من قانون العقوبات “.

كما نصت فقرتها الثانية على أنه “وعلى المحكمة أن تأمر بالرد في مواجهة الورثة والموصى لهم وكل من أفاد فائدة جدية من الجريمة ليكون الحكم بالرد نافذاً في مال كل منهم بقدر ما استفاد”، فإن مفاد ذلك ، أن وفاة المتهم وإن أخرجت الدعوى الجنائية من يد القضاء وأصبح لايستطيع المضي في نظرها، إلا أن ذلك لا يمس الفعل في ذاته ولا يمحو الصفة الجنائية عنه والتي تظل عالقة به، فيبقى أثر انقضاء الدعوى الجنائية دون ذلك جميعه، بما لازمه أن الحكم بالرد حتمياً، ولا يجوز إلا من محكمة جنائية، تقضي به من تلقاء نفسها في مواجهة الورثة والموصى لهم ولكل من أفاد فائدة جدية من الجريمة، طالما بات المال المتولد من تلك الجرائم في ذمة المتهم ، حتى تاريخ وفاته.

لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وقضى بانقضاء الدعوى الجنائية، دون الفصل في أمر الرد مخالفاً بذلك صريح نص المادة 208 مكررا (د) المار بيانها، الأمر الذي يوجب معه القضاء بنقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً لهذا السبب . فإذا كان الإجرام لايحتمل الإستنابة فى المحاكمة فكذلك العقاب لايقبل الإستنابة ذاتها فى التنفيذ وأن المرء إذا توفى سقطت كل تكاليفه الشخصية فإن كان قبل الوفاة جانياً تنقضى الدعوى حتماً وقانوناً.

ولهذا فإن القواعد المستحدثة والتى قررتها المادة (208فقرة ه ) إجراءات جنائية تقتضى إستئصال الأثر الإجرامى لتبعات الفعل الإنحرافى الذى ينقله الموظف لورثته أو إلى المستفدين من إجرامه كالشركاء الأصليين وغيرهم . كما تتضمن هذه القواعد تجفيف منابع الإنحراف وتحقيق خصوصيات الردع بنوعيه العام والخاص . كما ثبرهن التعديلات المضافة على قدرة المشرع بتوسيع نطاق الحماية الإجرائية فى جرائم المال العام ضد أطراف لم يكونوا معلومين وقت ارتكاب الفعل النموذحى للإنحراف وهى حماية محاطة بمحاذير وضوابط ولايجب أن تخل بالثوابت الدستورية ببراءة الأفراد .

ويلاحظ أن محكمة النقض أقامت المسئولية الجنائية للورثة وقرر إستثناء خاص لذلك إستناداً لقواعد الإثراء بلاسبب ولم تخضعها طبقاً للقواعد العامة فى المسئولية التقصيرية وقد قضت النقض فى ذلك :

بأنه ( ولما كان الحكم بالرد يستوجب تحقيقاً تجريه المحكمة، بما يخرج عن وظيفة محكمة النقض، بحسبان أن النص آنف البيان يتضمن إستثناءين من القواعد العامة ، إذ أنشأ اختصاصاً جديداً للمحكمة الجنائية بدعوى مدنية على أساس الإثراء بلا سبب ، لا على أساس المسئولية التقصيرية – بالنسبة لمن أفاد من الجريمة – فضلا عن أنه جعل الدعوى المدنية تقوم أمام المحكمة الجنائية غير تابعة لدعوى جنائية ، وكان نص الفقرة الأخيرة من المادة 208 مكررا (د) تستوجب أن تندب المحكمة محامياً للدفاع عمن وجه إليهم طلب الرد ، إذا لم ينيبوا من يتولى الدفاع عنهم، بما يقتضي معه أن يكون النقض مقروناً بالإعادة ) . وهو حكم هام يجسد نطاق الحماية الإجرائية فى ثوبها الجديد ويلمس الباحث نفس المضمون الإجرائى فى نص المادة (193) ومابعدها من قانون الإجراءات الروسى الفيدرالى .

كما تعرضت المحكمة الدستورية لبحث مدى تطابق هذا النص مع الدستور ولم تبطله لعواره وبناء الإدانة على اليقين وقررت بأنه (وكان نص الفقرة الأخيرة من المادة (208 مكرراً “د”) قد أوجب على محكمة الموضوع أن تنتدب محامياً للدفاع عمن وجه إليهم طلب الرد إذا لم ينيبوا من يتولى الدفاع عنهم ، ولم يضع أي قيد عليهم في مناقشة عناصر الدعوى والتحقيقات من أجل التوصل إلى نفي الفعل المنسوب لمورثهم، ونفي واقعة إضافة أو استمرار المال في ذمة مورثهم ، وكذلك نفي أيلولته إليهم ، إن ثبت وجوده في تركته ، وكان المشرع قد أعمل سلطته التقديرية في شأن التنظيم الإجرائي للخصومة في دعوى الرد . باعتبار أن ضمانة الدفاع لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضي، ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معاً في دائرة الترضية القضائية التي يعتبر اجتناؤها غاية نهائية للخصومة القضائية ) .

لهذا لم تلغى المحكمة الدستورية النص وأقرت بقانونية أحكامه ومطابقتها للدستور وعدم إخلالها بحقوق الغير ، فقد أخذ منهجها فى اتساع نطاق الحماية الإجرائية طالما لم ينال الأبرياء أويخل بالضمانات الدستورية الواجبة .

وعلى العكس فقد قضت الدستورية بإلغاء نص المادة 208أوسقوط فقرتيها رقم (2و3) وكذلك المادة 208مكرر (ب) إذا قدرت النيابة العامة أن الأمر يقتضى اتخاذ تدابير تحفظية على أموال المتهم بمافى ذلك منعه من التصرف فيها أو إدارتها وجب عليها أن تعرض الأمر على المحكمة الجنائية المختصة طالبة الحكم بذلك لتنفيذ ماعسى أن يقضى به من غرامة أو رد أوتعويض ويعرض النائب العام الأمر خلال 7أيام على الأكثر من تاريخ صدوره وإلا أعتبر كأن لم يكن.

خامساً / تقييم التحديث الإجرائى للتصالح :

يبغى الباحث تبيان منافع ومضار التعديل لكى يتوصل إلى رأى واضح بشأنه وكيفية أرساء قواعده الجديدة بعدما تبين ضرورة الاستعانة ببعض النماذج المعاصرة التى خاضت تجربة التصالح فى قضايا المال العام نظير الإستغناء عن الملاحقة القضائية لاسيما اليمن وجنوب أفريقيا ورومانيا ومدى التفرقة بين التصالح والمصالحة . وذلك على النحو التالى :

1- المزايا الدافعة للتصالح :

يعتقد واضعوا التعديل أنه قد يسد عجز وضعف القوانين التى تحارب الإنحراف وفى ظل غياب الأدلة الجنائية على أعتبار أنها جرائم ممتدة لعقود . كما أن تقرير التصالح يجنب السلطات التنفيذية من الدخول فى قضايا التحكيم الدولى والتى تأتى أحكامه غالباً ضد الجانب الوطنى فتهدر الأموال والطاقات والوقت والتصالح يتجاوز هذه العراقيل .

لذا يفضل عدم الإلتجاء الى الدعوى وإيجاد بدائلها بالتصالح ونظراً لعدم وجود قواعد راسخة تحدد الأليات الجنائية لإسترداد الأموال المهربة وفى ظل التعقيدات القانونية والغموض والإلتباس الذى يكتنف أركانها والتى تتغير تبعاً للسياسات القانونية والجنائية والقضائية التى تتبناها الدول الأجنبية المهربة اليها الأموال وضياع الأدلة .

و إقرار التصالح قد ينعش خزينة الدولة بعد تردى وضعها الاقتصادى وهى لم تستفيق حتى الأن من كبوتها بعد ثورتى 25يناير 2011و30يونيو 2013 فيسد عجزها من الإحتياطى النقدى وتنتعش الخزانة ، وتعلو الأيادى عن التفكير فى الإقتراض الخارجى الذى أثقل كاهل البلاد . ويستفيد المتهم من أنهاء التحفظ على أمواله وتقييد حريته فى المنع من السفر . وكذلك تنقضى الدعوى الجنائية وتوقف تنفيذ العقوبة ، فالتصالح يعود بمنافع جماعية وشخصية لها أثار فى ناجزية العدالة الجنائية . وتعديل التصالح قد يهمل بروز دور النيابة فى حل المنازعات صلحاً والذى تتطور معطياته كلما تبدلت ملامح مركزها القانونى وطبيعة موقعها فى الدعوى الجنائية وضمانات إستقلالها عن السلطة التنفيذية.

فالأصل أن يتولى مجلس الوزراء إخطار النائب العام سواء كانت الدعوى مازالت قيد التحقيق أوالمحاكمة ويترتب على ذلك إنقضاء الحق فى العقاب . كما يساهم تبسيط الإجراءات الجنائية التى تطول مدتها وتزداد تعقيداتها وتضيع فى مراحلها الدلائل التى تفيد فى كشف الحقيقة ومن هنا يتم الإلتجاء اليه كوسيلة تحديثية لإنقضاء الدعوى الجنائية فى جرائم المال العام وكل هذا يساهم فى تجسيد تكامل السياسات الجنائية والإدارية لمحاربة الإنحراف .

وقد أكدت النقض ضرورة أن تتضمن الدعوى الجنائية إعتبارات تتعلق بسرعة الفصل فيها لتحقيق الأمن والنظام ، وهو الأمر الذى تناوله المشرع الإجرائى فى أكثر من موضع بهدف تبسيط الإجراءات وإستقرار الحقوق وفعالية الدعوى .

2- المأخذ الإجرائية للتحديث فى وضعه الحالى :

(أ) إجازة التصالح تشجع على زيادة جرائم الفساد :

ويتجسد ذلك كلما أفتقد النظام الجنائى التكامل مع أسس العدالة الإنتقالية ، فالتصالح مع مرتكبى جرائم المال العام ليس خيراً محضاً فهناك من الأخطار التى قد تعود من تطبيقه كنظام قانونى جديد قد لايستند إلى قواعد راسخة ا تُفَعَّلُ لعدالة الإنتقالية وتجد الضمانات الرادعة للمحاسبة .

فقد يسمح بتكرار انتاج الأنظمة المستبدة مجدداً وإلتى تفلت من العقاب بالقصاص منها لتعود بشكل وفكر مختلف لتكون أكثر حرصاً وفناً فى ارتكاب الجرائم الإنحرافية دون الإيقاع بها فى قبضة القانون مع معاصرة أحتفاظها بشبكة العلاقات والمصالح والنفوذ والتى تقوى دعائمها فتحكم سيطرتها على جميع مفاصلها ولاينتهى الإنحراف نهائياً .

كما أن الدولة قد تظهر بشخصية قانونية ضعيفة أمام مواطنيها فيتولد السخط العام لعدم ملاحقة الفاسدين والتى يرى فيها الفرد أنها تكافىء المختلس الغنى لإنه رد ما أستولى عليه ، أما المختلس الفقير فهى تضرب على يده بقوة وهو مايخل بالمساواة . ولايجوز القياس بماينص عليه قانون البنك المركزى رقم 88لسنة 2003والمعدل بقانون رقم 162لسنة 2004فيمايخص التصالح مع المقترض الهارب وأمكانية رد ما أخذه مع تصالحه ودفع فوائده . فذلك قياس مع الفارق فالموظف يصيب الإنحراف بضرره الأفراد والمجتمع والمرفق العام فيؤثر على سيره وأنتظامه وأضطراده.

كما قد يعود التصالح بالضرر على حقوق الغير كالمضرور من الجريمة والتى لايمكن أن تختزل صورته فى السلطة العامة فمن حق الغير أن يحصل على تعويض إذا فوتت الجريمة المتصالح بشأنها فرصة أومصلحة واجبة الحماية كما فى المدعى بالحق المدنى . كما قد يتعارض هذا التصالح مع نصوص قانون العقوبات التى تحدد حالات مبادرة أحد الشركاء متى كان غير محرض على الإبلاغ بالجريمة بعد اتمامها وقبل أكتشافها المادة (118/مكرر ب عقوبات ) وكذلك بعد أكتشافها وقبل صدور حكم نهائى فيها . وهى حالات تفندها سلطات المحاكم ولايجوز للإدارة أن تَنْصَبُّ نَفْسُهَا بتولى تلك الوسيلة وبهذا يخرق التصالح مبدأ الفصل بين السلطات ويمحو مقومات التفريد القضائى كأحد اليات السياسة الجنائية .

فتعطى المادة (18/مكرر ب) إجراءات مكنة صفة الإلزام لقرارات مجلس الوزراء وتعد واجبة التنفيذ وبالتالى يغل يد القضاء عن نظر الدعوى كحق الدولة فى العقاب أوالنطق بالعقوبة وتفريدها وذلك للإهتمام بالجوانب المالية وأهمال النواحى الشخصية التى تتمثل فى درجة خطورة الجانى وسجله الإجرامى ومدى أستعداده والعود .

(ب) إنتقائية التصالح تساهم فى الإنحراف على قواعده :

الأصل أن يتم التصالح بتسوية جوازية تمنح للسلطة التنفيذية بموجب سلطتها التقديرية ، فلها الحق فى قبولها أورفضها فى ظل غياب الضوابط التى تكفل عدم إساءة استعمال هذا الحق لاسيما وإنعدام الرقابة القضائية على هذه القرارات فى ظل غياب النص الواضح والصريح على أمكانية الطعن على قرار رئاسة مجلس الوزراء عموماً .

فقد تقبل التسوية بالرغم من إنعدام شروطها وترفضها فى ظل توافر شروط التصالح وهو مايخل بمبدأ المساواة فى النظم الإجرائية لأتحاد المراكز القانونية . و أن لجنة الخبراء نفسها يستقل بتشكيلها رئيس مجلس الوزراء طبقاً للمادة (18مكرر ب) إجراءات وليس هناك أى ضمانات تكفل حسن إختيارهم أو تخصصهم الدقيق على نحو يضمن الحيادية والإستقلال والموضوعية والتجرد ، كما لاتتوافر أمكانية الطعن على عناصر التشكيل وأشخاصها المختارين.

ويلاحظ أن المشرع أغفل حل التعارض بين رأى اللجنة ورئيس مجلس الوزراء حول التسوية ممايقطع بأن رأيها مجرد رأى إستشارى فالقرار النهائى بالتصديق على التسوية لرئيس مجلس الوزراء . كما أن إشكالية عدم حل التعارض يؤكد إنفرادية القرارات وإرتجاليتها وعدم توافر الضمانات الكفيلة بتجسيد العدالة والمساواة الإجرائية والدستورية .

أن المشرع لم ينص على وجوب رد المال المتصالح بشأنه وهى نقطة فارقة فى مقومات التصالح عموماً ، وعلى هذا لايمنع أن تتم التسوية بمبلغ أقل مما أستولى عليه المتصالح وذلك يفتح المجال للتقدير التعسفى لاسيما وغياب الرقابة القضائية وتتم الترضية والمساومات وتضارب المصالح الذى تنشط شبكاته فى الفترات الإنتقالية .

و يتعارض التصالح بمعضلاته الشائكة مع مضامين السياسة الجنائية الخاصة بالفترات الإنتقالية والتى تسعى لتحقيق الردع بنوعيه (العام والخاص ).فلايجب أن تصطدم أهداف التصالح بواقعية وأهداف السياسة الجنائية فكيف يتسنى للدولة وهى تصدر من التشريعات مايقرر الضرب على يد العابثين بمقدرات الشعب وفى ذات الوقت تسعى بطريق أخر لإجراء تصالح وتسوية تنهى بمقتضاها حقها فى العقاب مع أناس ثبت يقيناً إجرامهم وإنحرافهم عبر عقود ممتدة لتنال من مستقبل الأمة ، فلهذا فهو تنازل عن العقاب عن من أجرم ومازل يجرم ومن سيرتكب جرماً مستقبلاً ، ولهذا لاينتظر أن تؤدى السياسة الجنائية دورها فى الردع بنوعيه أوضرورة تكاملها مع غيرها ؟ .

(ج ) خروج التصالح عن الثوابت الإجرائية :

فوفقاً للقواعد العامة فى قانون الإجراءات هو أن المتهم بجناية يجب عليه الحضور بشخصه فى جلسات المحاكمة فلايجوز إنابة الغير طبقاً للمادة (384) إجراءات . وقد أكدت النقض ضرورة الإلتزام بحضور المتهم بجناية فلاينبغى أن يتم التنازل عن الحضورية بالنظر لإنعقاد الجلسة وصدور الأحكام وإستجلاء إدانة المتهم أوبراءته عموماً .

كما أنه فى حالة صدور حكم غيابى فى جناية فإنه يلزم حضور المتهم بشخصه للقيام بإعادة إجراءات المحاكمة ، وقد خرج قانون التصالح على هذه القواعد فقد نص فى المادة (18مكرر ب) بقولها ” فإذا ماتم التصالح بعد سيرورة الحكم باتاً وكان المحكوم عليه محبوساً نفاذاً لهذا الحكم جاز له أووكيله الخاص أن يتقدم للنائب العام بطلب لوقف التنفيذ مشفوعاً بالمستندات المؤيدة له ” . ولهذا أصبح المتهم بجناية من جنايات الأعتداء على المال العام أحسن حالاً من المتهم بغيرها من الجنايات وهو مايخل بمبدأ المساواة بين الخصوم . ناهيك عن أن بعض دوائر الجنايات عملاً قد تلتزم بحرفية النص وتقرر الحضور بتوكيل وغيرها لايلقى بالاً للتعديل ويستمسك بضرورة حضور المتهم فعلياً بالجلسة .

كماخرج عن قاعدة إقتصار أثار التصالح بين أطرافه فجعله يشمل جميع المتهمين من شارك فيه ومن لم يشارك بالرغم من أن إنقضاء الدعوى الجنائية هو سبب شخصى وليس عينى فهو يقتصر على من توافر فى حقه . والأصل أن لايمتد للغير ممن لم يشارك فيه ولهذا فلاتوجد علة واضحة لهذا الأمتداد سوى أنها تساهم فى التمادى فى الإنحراف بالسلطة والإستهانة بأحكام القانون وبمثابة خروج واضح عن الثوابت الإجرائية الراسخة لتجسيد العدالة.

(د) التصالح يعطل تنفيذ قواعد التقادم المستحدثة :

فالمادة (15) إجراءات بعد تعديلها بحيث لاتبدأ المدة المسقطة للدعوى الجنائية فى الجرائم المنصوص عليها فى البابين الثالث والرابع من الكتاب الثانى والتى تقع من موظف عام إلا من تاريخ إنتهاء الخدمة أو زوال الصفة مالم يبدأ التحقيق فيها قبل ذلك ، ستتوقف فعاليتها نهائياً ولن يصبح التعديل مجدياً لاسيما وأن قواعد التصالح تسمح بإنقضاء الدعوى وتكفل عدم تطبيق العقاب حتى ولو تراخى إثبات وأكتشاف جرائم الفساد ، وحتى بعد تنفيذ العقوبة فعلياً .

فالقضاء سيحكم طبقاً لقاعدة أن التصالح قاعدة أصلح للمتهم وتسرى بأثر رجعى على كل الوقائع التى سبقت صدوره لأنه يقرر قواعد موضوعية ذات أثر إجرائى مفادها تقييد حق الدولة فى العقاب . ولهذا ينبغى على المشرع الجنائى أن يحتاط فى تشريعه لأنه قد يضرب بكل تحديثاته الواقعية بتنازلات غير محسوبة تتجاذبها إرتجالية غير منظمة .

سادساً / الرقابة القضائية على التسوية التصالحية فى المانيا :

أضاف المشرع الألمانى الإجرائى مادة جوهرية رقم (257ج) إجراءات بمقتضاها وضع نظرية عامة لتنظيم التوافق الإجرائى وبحيث قيد فيه النيابة العامة أوأى جهة إدارية تبرم إتفاق مع الجانى بصدد إنهاء الدعوى الجنائية عموماً إلا إذا حدث توافق على أسس الإنهاء بواسطة المحكمة المختصة وبشروط محددة منها أن يعترف المتهم بإرتكاب الجريمة وعدم إغفال أى وقائع قانونية أو واقعية بصدد القضية المطروحة . ويلاحظ أن نص المادة (257/ج) إجراءات يرسى قيم العدالة التصالحية ويقرر ضمانات للمحكمة الجنائية تتضمن رقابتها على الإنهاء وتوافر معطياته

والمحكمة الجنائية إذاساورها الشك حول التوافق وإغفال مضامينه الجوهرية كحقيقة قانونية أوواقعية فى إطارها الموضوعى فلها أن تبطل الإنهاء وكافة التسويات اللاحقة عليه لاسيما إذا أكتشفت أن هناك جرائم لم يتم ذكرها فى الإنهاء أو إغفال متعمد لدرجة خطورة الجانى وشخصيته التى تكرر إعتداءها على الأفراد والحريات فلها سلطة إفتتاح الدعوى الجنائية بمبادرة منها إذا فشلت أسس التوافق فى الإنهاء وتتولى جمع الأدلة تمهيداً للوصول للحقيقة حتى تقتنع بمضمون الإنهاء ويصح حكمها الرقابى المزمع صدوره .

لهذا تتجه السياسة الجنائية فى ألمانيا إلى تقرير سلطة إنهاء الدعوى بواسطة هيئة قضائية تتمثل فى المحاكم على إختلاف درجاتها ولايمكن الإلتجاء إلى سلطة تنفيذية للقيام بالتنازل .

وقد أثيرت مسألة دستورية هذه الإضافة فحكمت الدستورية العليا ( Bundesverfassungsgericht ) فى 9مارس 2013بدستورية الإضافة وقانونية تنظيم التوافق الإجرائى بواسطة المحكمة الجنائية وضرورة رقابتها على الإنهاء .

ويلاحظ أن المشرع الألمانى قد أعطى للمحكمة سلطة المبادرات الإيجابية للكشف عن الحقيقة والرقابة على كافة صور الإنهاء التلقائى للدعوى الجنائية خارج نطاق النظام القضائى طبقاً للمادة (244/2) إجراءات فنص على أن للمحكمة البحث فى الأدلة والحقائق والوقائع من تلقاء نفسها لتفحصها وفق سلطتها التقديرية ويجب أن تكون أكثر دقة فى النزاعات المعروضة عليها من جانب الخصوم فإن رأت تناقضاً فلها أن تستبعده تماماً وهو ماينفى إنحراف الإدارة .

وأكدت المحكمة العليا بإنتفاء مقومات التصالح ورفضت أتمام إجراءته من شركة تتبع الدولة قامة بأحتكار أسعار الأسمنت وأيدت ضرورة دفعها لتعويض نقدى طبقاً لقانون مكافحة الاحتكار على إعتبار أن الإحتكار من جرائم المال العام التى لايجوز إجراء تصالح فيها ولاتسرى عليها قواعد التقادم بقانون الالتزامات 2001مادة 229ومابعدها.

سابعاً / التجربة الرومانية ترفض التصالح فى جرائم الفساد :

أنبهر العالم ومازال منبهراً بصمود الشعب الرومانى فى 15/2/ 2017 الماضى ضد تمرير مشروع بقانون يسمح بتعديل قانون مكافحة الفساد رقم 78/2000ليقرر العفو عن المتهمين بجرائم سؤ إستغلال السلطة والنفوذ وكافة أفعال الإنحراف الوظيفى . فطالما لم تتجاوز قيمة المال المتربح بشأنه حاجز 44الف يورو ، وبشرط أن لاتزيد العقوبة فى مجملها عن 3سنوات فى حدها الأدنى وإلا تكون قد بدأت التحقيقات بعد تجاوز 6أشهر من أكتشاف الجريمة ، وقد سيق فى تبرير هذا المرسوم الحكومى الإنحرافى المجحف الذى ينشر الفساد فى ربوع البلاد أنه يساعد على تخفيف أعداد المسجونين المتزايد وبالتالى سيتم الأفراج الفورى عن أكثر من 2500مسجون ينفذون أحكام جنائية عن جرائم وظيفية أرتكبوها تجاوز فيها الحد الأدنى للعقوبة و المدة المقررة مما يمثل تصالح بيد السلطة . والباحث يبدى الملاحظات الأتية :

1- وبمطالعة قانون العقوبات الرومانى رقم 286/2009 وتعديلاته فى 2012وبرغم حداثته النسبية فقد أجريت عليه أكثر من 23تعديلاً فوجد الباحث جرائم الإنحراف الوظيفى تعالج فى فصل ( مكافحة الفساد من المواد 289وحتى 309) ويتضح أنها تتعطل فعاليتها بالقانون المزمع تمريره لاسيما وأن معظمها تقع تحت حد أدنى سنتين إلى سبع سنوات وهو الأمر الذى يتوافر فى جريمة إستغلال النفوذ بالمادة (292) وجريمة الإبتزاز الحكومى بالمادة (294) وجريمة إلحاق خسارة أوضرر بالحقوق والمصالح لشخص طبيعى أوإعتبارى بواسطة موظف منحرف بالمادة (297) وإساءة إستعمال النفوذ لغرض المعاشرة الجنسيةأو الرشوة بالمادة (299) ، وطالما لم يتجاوز الحد الأدنى للعقوبة 3سنوات فيتم الافراج .

2- يعطل القانون المرفوض فعالية مديرية مكافحة الفساد ( DNA) عن طريق نزع بعض أختصاصتها وهى هيئة مستقلة الأصل أنها تتولى التحقيقات الجنائية المتخصصة فى الكشف عن جرائم الإنحراف الوظيفى لتساعد المحاكم والمدعى العام على إستجلاء طبيعة الأفعال وحجم الضرر وأعطاء تقرير يفيد فى أقتناص عقوبة عادلة تحقق الردع بنوعيه العام والخاص . كما يعطل القانون المرفوض قواعد حماية الشهود المقررة بالقانون رقم 682لسنة 2002لاسيما فى المادة رقم (19) منه والتى تحيط بالمبلغ والشاهد بحماية إجرائية تمنعه من الملاحقة القضائية إذا أرشد عن الجناة ولو أرتكب معهم أحد عناصر الركن المادى لجرائم الفساد المنصوص عليها فى المواد من (289حتى 309) من قانون العقوبات الرومانى ولهذا تتعارض هذه القواعد مع قانون مكافحة الفساد الرومانى . ولهذا رفض الشعب قواعد التصالح الإنحرافية والتى مصدرها سلطة سياسية هدفها تحقيق منافع شخصية وتعطيل قواعد مكافحة الجرائم الإنحرافية .

ثامناً / إسناد تكامليات التصالح لسلطة قضائية :

يلمح الباحث قانون الجرائم الإقتصادية الأردنى رقم (20) لسنة 2004وهو قد وضع ضمانات جوهرية لإجراء عملية التصالح فى المال العام تظهر فى نطاق الجرائم الخاضعة لأحكامه ، وكذا هيمنة السلطة القضائية على مقومات التصالح والبعد عن إسنادها للسلطة التنفيذية وكذا فى التضمينات بالرد الكلى للمال والتعويضات . على النحو الأتى :

(أ) هيمنة السلطة القضائية على مقومات التصالح :

فبينت المادة (8) بأنه يحق للنائب العام أن يتوقف عن الملاحقة القضائية فوراً فى أياً من الجرائم الإقتصادية المبينة فى القانون وإجراء التصالح مع المتهم إذا أعاد كلياً الأموال التى تحصل عليها نتيجة جريمته وإجراء تسوية عليها . ولايعتبر قرار النائب العام نافذاً فى أى مرحلة من مراحل التحقيق أوالمحاكمة إلا بعد الموافقة على التسوية من لجنة قضائية عليا لتقرر ماتراه بشأن سيرورة التصالح وحجيته .

ويرأس اللجنة القضائية رئيس النيابة العامة وعضوية كل من قاض تمييز يختاره المجلس القضائى والمحامى العام المدنى . وتشمل ( الجريمة الإقتصادية أى فعل يلحق الضرر بالمركز الإقتصادى للمملكة أو الثقة العامة وبالعملة الوطنية إذا كان محلها مال عام ). وقرر أن الجرائم المنصوص عليها أدناه تعتبر جزء من قانون العقوبات ويطبق عليها وهى جرائم الرشوة والإختلاس وإستثمار الوظيفة وإساءة استعمال السلطة خلافاً للمواد (170حتى 177) عقوبات .

(ب) الضمانات المالية لتفعيل التصالح :

فتمتلك النيابة العامة إجراء الحجز التحفظى على أموال المتهم وحظر تصرفه فيها والذى يمتد إلى أصوله وفروعه . كما تمنعه المحكمة من السفر لمدة 3أشهر قابلة للتجديد ، وعلى المتصالح رد قيمة المال كلياً وكذا منافعه المرتبطة به إستيفاء لتسوية الحجز التى تمتد إلى كافة المعاملات الجارية فى مواجهة الحاجزين والراهنين الأخرين . كما تمتلك النيابة حق إمتياز خاص على الأموال وتقوم بمصادرتها تمهيداً لردها لإصحابها .

ويلاحظ أن التضمينات والأموال المصادرة والغرامات والنفقات التى تقرر المحكمة الحكم بها وكذا اللجنة القضائية المختصة أموالاً عامة يتم تحصيلها بموجب قانون تحصيل الأموال الأميرية أوقانون صيانة أموال الدولة لسنة 1966. كما يتحمل المتصالح مع الدولة قيمة المصاريف القضائية والإدارية على إعتبار أنها من تكاليف تحقيق العدالة .

ويعتقد الباحث أن أهم ضمانات التصالح هو ضرورة أن يسند لجهة قضائية محايدة نزيهة مستقلة تبرهن على معطياته ، وهو مايحقق فوائد عديدة منها شبهة الإنتفاع بالتصالح لإستجلاب حصيلة تمويلية حينما تعجز الأحكام القضائية على تجسيد العدالة . كما تحقق ضمانات تحصيل الأموال بقواعد ثابتة راسخة مبدأ المساواة بين المتصالحين فلاتتمادى السلطة التنفيذية فى سلطتها التقديرية لتمنعه عمن تشاء وتقرره كلما تناغم مع مصالحها ، وهو مايبعد شبهة تضارب المصالح أوإستغلال النفوذ أوإساءة إستعمال السلطة . وبتحقق هذا الفوائد يتم تدعيم العدالة الجنائية ككل .

تاسعاً / التجربة اليمنية تقبل التصالح فى جرائم الفساد :

رضخت اليمن لإنحراف مقيت قسمها إلى شطرين وأستحوذ الفاسدون على مقدراته وثرواته الهائلة فكانت حكراً لعائلة الرئيس ، وتقلد المقربون المراكز العليا فى كافة السلطات وتم أنتاج دكتاتورية المحاسيب بضمان الولاء والنفاق والصرف ببذخ فى الإعلام لترديد إنجازات وهمية وديمقراطية ديكورية . فعاقب المصلحون وكافء الفاسدون وتدخل فى أستقلال المؤسسات ومن ثم أشتعلت الشرارة الأولى للثورة اليمنية الشعبية فى 11/2/2011 من أجل إسقاط النظام الفاسد وبناء دولة مدنية حقيقية يسودها العدل والكرامة والمساواة . من أجل ذلك لم تستجيب السلطة لمطالب الثوار تلقائياً وأنما قاومت بكل السبل للبقاء فى الحكم أو حتى على الأقل الخروج سلمياً بطرح مبادرة تتضمن الحصانة القضائية وعدم الملاحقة والمحاكمة والقصاص من الجرائم التى أرتكبت على مدار حكم أستمر إلى أكثر من 33عاماً لاسيما جرائم المال العام . وهنا على الباحث توضيح مقومات تلك المبادرة وملامحها ومدى نجاحها وكيف يمكن الاستفادة منها ؟ .

1- ملامح قانون عدم الملاحقة القضائية :

ورد فى ستة مواد موجزة . فقرر فى مادته رقم (1) بإن يمنح الرئيس الحصانة التامة من الملاحقة القضائية والقانونية . فى حين بينت المادة (2) نطاق تلك الحصانة فتنطبق فى المجال الجنائى على المسئولين الذين عملوا مع الرئيس فى مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وذلك عدا أعمال الإرهاب . وفى مادته (3) أوجب ضرورة أن تسرع حكومة الوفاق الوطنى بتقديم مشاريع لقوانين تتضمن تحقيق المصالحة الوطنية وبيان أسس العدالة الإنتقالية وفقاً لماورد بالألية التنفيذية للمبادرة الخليجية مع إتخاذ التدابير الإجرائية لمحو إنتهاكات حقوق الإنسان. كما أعتبرت المادة (4) أن القانون يعد من أعمال السيادة التى تصدر من الحكومة فلايجوز الطعن عليها أو الغاؤها بأى طريق أووقف تنفيذها . وبينت المادة (5) نطاقه الزمنى فتسرى أحكامه على الأفعال الواقعة خلال فترة حكم الرئيس على عبدالله صالح وحتى تاريخ صدور القانون فى 21/1/2012 . كما يعمل بهذا القانون فى إطار المبادرة المقترحة من مجلس التعاون الخليجى وفق الياتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن رقم 2014لسنة 2011 . ويلاحظ أنه قانون يلزم لتفعيله أصدار تشريعات تضمن التعريف بمضمونه وتقويمه وتحديد مساراته وتشكيل هيئات مكافحة الفساد .

2 – مدى نجاح التجربة :

يعتقد الباحث أنها ينقصها مقومات العمل القانونى المتكامل فيجب أن تتوالى التشريعات التى تنظم أسس هذا الاعفاء والحصانة من عدم الملاحقة . فلابد وأن يتم نظير إسترداد الأموال المنهوبة على الأقل وتعويض الضحايا على أعتبار أن العفو الشامل ذو صبغة جنائية ولايمتد لجبر الضرر الناتج عن الجريمة . وكما لايتناسب هذا مع ترك السلطة فهى كانت ستتحقق لامحالة وهذا ماقررته المادة (539) إجراءات جزائية يمنى فلايمس العفو بنوعيه حقوق الغير إلابموافقتهم . ولهذا مازال اليمن فى تطاحن قاتل فلم يسعفه هذا القانون الذى عاقب الجريمة بجريمة أخرى وهو التغاضى عن القصاص فحصد الشعب نيران مفسديه ، فلابد من تقرير ضمانات للتصالح وفعالية الملاحقة.

عاشراً / ضوابط التصالح فى جرائم المال العام بفرنسا :

أوضحت المادة (10فقرة 1) من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسى مضمون نظام العدالة التصالحية بإطارها العام فتسرى فى أى مرحلة عليها الإجراءات حتى ولو كانت فترة تنفيذ الحكم الجنائى ولو بعقوبة سالبة للحرية . فيتم بمبادرة من المجنى عليه أوالشخص المبلغ عن الجريمة يتم التصالح وذلك بشروط تتضح ملامحها فى ضرورة الأعتراف الكامل بالحقيقة والتعهد بإصلاح الأضرار الناجمة عنها ولو بدفع تعويض كامل عن أثارها ، على أن يعرض الأمر على السلطة القضائية لتقرره أوتعهد به إلى لجنة مالم يتفق طرفى النزاع على عكس ذلك ، وذلك بإستثناء الحالات التى يكون فيها مصالح مرتبطة بضرورة منع الجريمة أوقمعها مستقبلاً كلما توافرت معلومات عن الإبلاغ عنها للمدعى العام للجمهورية . ويلاحظ أن التشريع المصرى يبتعد عن تبنى الكيوف والأوصاف الإجرائية التى تمثل أركان العدالة التصالحية وأبرزها الوساطة الجنائية La médiation pénale وكذا التسوية الجنائية La compostion كمفاهيم جديدة فى غمار السياسة الإجرائية تؤثر فى فاعلية العدالة التصالحية وهو ماينعكس على قواعد المساواة فى الفترات الإنتقالية.

ولعل نظام الوساطة الجنائية أكثر فعالية من التصالح بقيوده الواردة فى قانون الإجراءات المصرى . إذ تتضمن الوساطة الجنائية طبقاً للمادة (41فقرة 1 ) إجراءات فرنسى شروطاً تصب فى صالح المضرور وكذا المجنى عليه من الجريمة لاسيما إذا كان هو الشعب فلابد وأن يهدف نظام التصالح إلى تحقيق مزايا الوساطة و إلى إصلاح أضرار المجنى عليه وأن تضع الوساطة حداً للأضطراب العائد من الجريمة وأن تساهم فى إعادة تأهيل وإدماج الجانى فى المجتمع .

ويلاحظ أنها وسيلة بديلة لتسوية المنازعات الجنائية خارج نطاق القضاء وبهذا قد يتشابه مع التصالح وأثره على الدعوى الجنائية ومستقلبها ، وهذا لايعنى أن الدولة تنفض عنه كلياً بل تسمح بأن يتولاه نائب أووكيل الجمهورية ليتولى التوفيق بين طرفى النزاع طبقاً للقانون رقم (23/2) والصادر فى 4/1/1993والمعدل بالقانون (402/لسنة 2004). و فرنسا تتبع منهج أن ( الصلح السىء خير من الخصومة الجيدة ) وهو منهج حكيم . من هنا توسع فى الجرائم التى يجوز فيها التصالح فلاتنحصر فى المخالفات والجنح بل وفى الجرائم المعاقب عليها بالسجن لمدة خمس سنوات .

كما يلاحظ أن التكامل فى التصالح يأتى بضرورة تطلب موافقة جهة الإدارة على إجراءه بالتوازى مع الخطوات الإجرائية التى يفوض فيها وكيل الجمهورية طبقاً للمادة (40/1) إجراءات ومنها تذكير المتهم بالتزاماته والإشراف على تنفيذها ومطالبته بتسوية أوضاعه وفقاً للقانون ويتنازل عن أمواله وتصادر متى كانت متحصلة من جريمة فساد وهى ضمانات لكى لاتنحرف مقومات التصالح ، ويبتعد عن شبهة التنازلات السياسية التى تهيمن على تصرفات الحكومات .

حادى عشر : رأى الباحث عن التصالح :

يجدى التصالح نفعاً كلما التزمت الحكومات التى تقرره بمبدأ ( العفو والتصالح مقابل الحقيقة ) ، ولايمكن التستر على إنحرافات كانت ترعاها الدولة بنفسها بمقوماته وأركانه وأثاره . وكلما سيطرت على العملية التشريعية لتتضاعف المفاسد من فئة أستحوذت على الثروة وجرفت البلاد الهاوية .

وعليه يكون التصالح سبب خاص لإنقضاء الدعوى يخص بعضى الجرائم ، فلايمكن التصالح فى قضايا الإهمال والتسيب أوالإختلاسات لاسيما فى أعتى الجرائم الإنحرافية المرتكبة ضد البسطاء ، وماينقص التصالح المصرى بوضعه الراهن بعض الضمانات الجوهرية والتى تظهر فى الأمور الأتية :

1- وضع قواعد ثابتة وراسخة فى مجال العدالة الإنتقالية لتتحقق دولة سيادة القانون والتى تتدعم أركانها بتقديم رموز الفساد لمحاكمات عادلة لاتبغى الإنتقام أو الإقصاء وإنما بث روح التعاون والمصالحة والشراكة الوطنية . مع الإستفادة من ألية إقرار الجانى بما أرتكبه للحصول على العفو وفى إطار علنى لايتضمن إستثناء القوى وعقاب الضعيف ؛ فقد يختلس البسطاء مبلغاً ضئيلاً ولايستطيعون رده فلاتصالح فيعاقبون ، أما الاقوياء فينهبون الثروات ويدفعون الفتات للدولة لفك الرقاب والأمن من العقاب وهو مايسمى بعدم المساواة فى المزايا العقابية ويساعد على الجرائم الإنحرافية .

2- لابد من تهيئة الأجواء الشعبية لزرع ثمار التصالح وكسب التأييد من الجميع . ويتأكد هذا بتوحيد الجهود الوطنية ونبذ الخلافات السياسية وتطوير الخطاب الدينى الذى يحض على التسامح . مع تبنى الدولة قواعد الموضوعية وتجنيب العدالة الانتقالية لفئة دون أخرى مع أبراز صدق النوايا لإعادة الثقة فى الوطن ومن خلال عمل شفاف ونزيه يتم بمراحل زمنية محددة وبإجراءات فعالة، مقابل أحداث التوافق والإتحاد والمشاركة . و يتم نبذ العنف وتقل حدة وتيرة العمليات الإرهابية التى قد تجد فى نشاطها وسيلة للإنتقام من السلطات المستبدة التى تكافىء المنحرف بلاقصاص .

3-كما يجب تهذيب العدالة التصالحية بتعديل المادة (18مكرر ب ) إجراءات لتتضمن مقدار ومقابل التصالح ووقته ومعياره وشروطه . كما يتعين خضوع لجنة الخبراء إلى إشراف قضائى كامل ، فلايكون أمر الفصل والنفاذ للتسوية التصالحية بيد مجلس الوزراء ، ويتيعن إسناد الأمر إلى الدائرة الجنائية لمحكمة النقض والمعروض عليها التصالح لتقرر صلاحيته وشروطه وإنضباط معاييره وضماناته الشكلية والموضوعية . كمايتعين إعتبار التصالح سابقة فى العود لتحقيق الردع والإكتفاء بتقرير التصالح قبل صدور حكم بات فى الدعوى حتى لايفضل المتصالح الفاسد اللجؤ إليه ويحقق مقبولية العدالة وإحترام حجية الأحكام القضائية والنصوص العقابية والتفريدات الشخصية لكل مجرم .

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك