السبت - الموافق 30 سبتمبر 2023م

ضرب الأزواج للزوجات ..من المنظور الديني والنفسي والإجتماعي

*- ظاهرة ضرب الأزواج للزوجات تعتبر من الظواهر
الشائعة في كل المجتمعات والثقافات للأسف
الشديد ، ونسبتها تترواح بين « 20 – 50 % » ،
وهي تزيد في الطبقات الاجتماعية والتعليمية
الأدني ، وتختلف شدة الضرب من حالة لأخري ؛
فهناك حالات بسيطة لاتتعدي مجرد الدفع باليد ،
وهناك حالات شديدة جدا ربما تترك إصابات بالغة
في الجسد ، وربما تؤدي إلى حالات الوفاة .
*- « وضرب الزوج لزوجته »
يكون مرتبط بنظرته للمرأة وكرامتها كإنسانة ،
ومرتبط عند بعض الناس بمفاهيمهم الثقافة
والدينية والبيئية والاجتماعية التي نشأوا فيها .
*- «وفي الثقافة الشرقية والعربية »
علي وجه الخصوص يشكل الدين مرجعية قوية
وهامة للسلوك الإنساني العربي ؛ لذلك سنحاول
رؤية موضوع ضرب الزوجات من
« المنظور الديني » :
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :
( لا تضربوا إماء الله ) ، فجاء عمر بن الخطاب
رضي الله عنه إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ؛
فقال : ( ذئرن النساء علي أزواجهن ) ؛ فرخص في
ضربهن ، فأطاف بآل بيت رسول الله صلي الله
عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن ، فقال :
« لقد أطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ،
ليس أولئك بخياركم »
( رواه أبوداود بإسناد صحيح ) .
ولو تأملنا هذا الحديث جيدا لوجدنا أن القاعدة فيه هي
عدم ضرب النساء « لا تضربوا إماء الله » ، ولكن
لمااشتكي عمر بن الخطاب رضي الله عنه من تمرد بعض
الزوجات رخص رسول الله صلي الله عليه وسلم في
الضرب كضرورة لإصلاح بعض النفوس الشاذة
والجانحة ، فاستغل بعض الرجال ذلك ،
وهذا هو الخطأ ووسعوا الرخصة والضرورة من أنفسهم ،
فأساءوا بذلك لهذه الرخصة ، فنبههم رسول الله إلي
الاعتدال ، وإلي أن الخيرية تقاس بمدي إحسان الرجل
لزوجته ، ولم يثبت أن رسول الله صلي الله عليه وسلم
قد ضرب أحدا من زوجاته ، رغم أنه قد حدثت مشكلات
مثل التي في كل بيت ، ولكنه صلي الله عليه وسلم
« قدوة للرجال » في حسن المعاملة امتثالا لقول الحق
سبحانه وتعالى :
( وعاشروهن بالمعروف ) . النساء / 19 .
*- ويستنكر رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديثه
الذي ورد في الصحيحين ضرب الرجل لزوجته ،
وكيفية الجمع بين ذلك وبين العلاقة الحميمة ؛
فيقول :
« أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد ، يضربها أول
النهار ثم يجامعها آخره » .
*- وإن أكثر الفقهاء قد ربطوا الضرب بالنشوز الشرعي
كعصيان الرجل في الفراش ،
والخروج من البيت بغير عذر ،
وترك الفرائض الدينية ،
والتعالي على الزوج ،
فهو كالعلاج بالكي لا يذهب إليه الرجل إلا لضرورة
تحتمل ألمه ومرارته .
*- ويري هؤلاء الفقهاء أن المرأة غير الناشز يحرم ضربها .
وإذا كان رسول الله صلي الله عليه وسلم قد نهي عن
الضرب إلا للضرورة ،فقد وضع حدودا لذلك الضرب
« ضربا غير مبرح » ،
وقد سأل عطاء إبن عباس :
« ما الضرب غير المبرح ؟ »
فقال : « بالسواك ونحوه ».
*- فإذا انتقلنا
« للمنظور النفسي » :
فإن الضرب هو أحد وسائل العقاب الذي يهدف
إلي تغيير سلوك ما من خلال توقيع أذي بدنيا ،
وهو أمر غير محبذ في تعديل سلوك الشخص
خاصة إذا أفادت وسائل أخري كنظرة اللوم أو
كلمة العتاب الشديدة أو النقد أو التوبيخ في حالة
القيام بفعل مستهجن ، وأن العقاب بدرجاته
المختلفة يقف عند الحد الذي يرتدع عنده
الشخص علي الفعل المستهجن ، فإذا كانت
المرأة مثلا تتأثر بنظرة العتاب أو بنظرة اللوم
فلا يجب زيادة العقاب عن ذلك تماما ، وإذا
كان يلزمها كلمة عتاب فقط فلا يجب الانتقال
إلى النقد أو التوبيخ و ….
وهكذا الضرب رمزا للإيذاء ولذلك نوسع الرؤية ،
ونسأل الرجال أن يكفوا عن كل ألوان الإيذاء
كالضغط النفسي والتحقير والمكايدة والإهمال
والهجر والقهر والاستبعاد والإلغاء ……وغيرها .
*- وهنا يجب أن يعلم الزوج أن إيذاءه لزوجته
سيرتد عليه إيذاء أو يتحول إلي كل أطفاله
الذين يحبهم كنوع من الانتقام منك وأعلم علم
اليقين ؛ أن المرأة المقهورة المستعبدة سوف تنقل
قهرها وظلمها إلي أبنائها ؛ فتسيء معاملتهم
وتضربهم وتقهرهم ، بمعني أنها تزيح عدوان
زوجها نحوهم ، والإيذاء عموما يخرج بالعلاقة
بين الرجل والمرأة من دائرة المودة والرحمة التي
هي أساس تلك العلاقة في حالة صحتها .
*- وبعض الرجال لديهم تصور بأن المرأة لا ينصلح
حالها إلا بالضرب ،
« وأن المرأة أحيانا تستمتع بهذا الضرب » ، وتشعر
معه برجولة زوجها ، وهذا تصور عقيم تاما لا ينطبق
إلا علي فئة قليلة جدا وهن فئات شاذة من النساء
لديها ميول ماسوشية ، ولذلك تحتاج لرجل لديه
ميول سادية ، وهذا الوضع المرضي لا ينطبق على
الأسوياء من الرجال والنساء علي حد سواء .
*- والمرأة السوية لا تحب ولا تقبل نهائيا أن يضربها
زوجها ، وحين يحدث ذلك ؛ فإن مساحة الحب
والمودة والرحمة والاحترام في نفسها تتقلص
تجاهه ، وربما تنعدم لدرجة كبيرة جدا ؛ لأن
ذكريات الضرب والإيذاء والعقاب تحرق كل
مرة جزءا من مساحة حبها لزوجها
واحترامها له .
*- قد يقول قائل :
س : ولماذا ذكر الضرب فى القرآن الكريم
والسنة من الأساس إذ كان غير محبذ
دينيا ونفسيا ؟
ج : أن هذا الخيار أي « الضرب » يستبقي كأحد
الوسائل التربوية والتهذيبية الأخيرة ،
التي ربما تحتاجها بعض النفوس الجانحة
أو الشاذة في الرجال أو النساء علي السواء
حين تفشل كل الوسائل الطبيعية المعتادة
في إصلاح هذه النفوس … ولا ننسي أن
« الضرب » شرع في الحدود الشرعية
للرجال والنساء علي السواء …………
( في شرب الخمر ،
وفي زنا غير المحصنين ،
وغير المحصنات ،
وفي تعزيرات مختلفة ).
*- وأخبر نذكر الرجال بأن رسول الله
صلي الله عليه وسلم
لم يضرب بيده طفلا أو
امرأة أو خادما ، وأنه قال :
(استوصوا بالنساء خيرا ) .

 

مع تحياتي دكتور فريد مسلم .

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك