وجَبْر الخاطر هو رفع هِمة شخص أو تهوين مصيبته أو الآخذ بيده حتى يتجاوز محنته ، وقد يكون رفع الهِمة بإغاثة ملهوف أو بمساعدة محتاج أو وقفة مؤازرة أو إسداء نصيحة أو توجيهه الوِجهة الصحيحة أو بصدقة أو بإبتسامة صادقة وهذا أضعف الإيمان …. إلخ .
فجبر الخواطر من أهم المُعاملات الإسلامية التى يجب أن يَتحلى بها كل مسلم فهو خُلُقٌ إسلامي عظيم إن دل فإنما يدلُّ على سموِّ النفس ، وعِظَم القلب ٍ، ورحابة الصدر ، ورجاحة عقل المسلم حيث يَجبُر به نفوسًا كُسِرَت ْ، وقلوبًا فُطِرت ، وأجسامًا أُرهقَت ، وأشخاصًا أُزهقت أرواح أحبابهم وذويهم ، فما أجمل هذه العبادة ! وما أعظمَ أثرَها على النفس !
ومما يُعطي هذا المصطلح جمالًا أن الجبر كلمة مأخوذة من إسم من أسماء الله الحسنى، وهو “الجبَّار”، وهذا الاسم بمعناه الرائع يُطمئِن القلوب ، ويُريح النفوس ، فهو سبحانه ” الذي يجبُر الفقرَ بالغنى، والمرضَ بالصحة، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل ، والخوف والحزن بالأمن والاطمئنان ، فهو جبَّارٌ مُتَّصِفٌ بكثرة جبره لخواطر الخلائق ” .
* وقد كان جبرُ الأنفس والخواطر من الدعاء الملازم لرسول الله صلّ الله عليه وسلم فى صلاته ، فقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلّ الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين :
” اللهم اغفِرْ لي وارحَمني، واهْدِني واجْبُرْني وارزُقْني ”
سنن الترمذي.
ومن واقعنا العملي نماذجُ كثيرة شرَعها ديننا الحنيفُ لجبر الخواطر ، وتطييب النفوس ، لأجل ذلك كان من السنة :
– تعزية أهل الميت وتَسلَّيتهم ومواساتهم ، وتخفيف الألم الذي أصابهم عند فَقْدِ ميِّتهم .
– وفي قوله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
” فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ”
صدق الله العظيم – الضحى (٩-١٠)
فقد كان من توجيهاته جَلَتّ قدرته لنبيه صلّ الله عليه وسلم ، فكما كنتَ يتيمًا يا محمد فآواك الله ، فلا تقهَر اليتيم ، ولا تذلَّه ، بل طيِّب خاطره ، وأحسِن إليه ، وتَلطَّف به ، واصنَع به كما تحب أن يُصنَع بولدك من بعدك ، كما نهى الله عن نهر السائل وتقريعه ، بل أمر بالتلطُّف معه ، وتطييب خاطره ، حتى لا يذوق ذُلَّ النَّهْر مع ذُلِّ السؤال .
فعندما تشترى من شخص فقير بضاعة زهيدة فأعطيه أكثر مما طلب وتبسم فى وجهه ، فما أجمل أن تتعمد الشراء منه وقد اضطرته ظروفه التجول فى حر الشمس وزمهرير البرد سعيا وراء رزقه ، مساعداً له وجابراً لخاطره .
فتطييب الخاطر لا يحتاج إلى كثير جهد ٍ، ولا كبير طاقة ٍ، فربما يكفي البعض كلمةٌ مِن ذكرٍ ، أو دعاء ، أو موعظة ، وربما يحتاج الآخر إلى مساعدة ، وينتظر البعض قضاءَ حاجة ٍ، ويكتفي البعض الآخر بابتسامة ، فعلينا أن نَجتهد بإدخال الفرح والسرور إلى قلوب إخواننا ، ولا نبخَل على أنفسنا ، فالصدقةُ والخير نَفْعُهما يعود إليك.
ويحضرنى فى هذا المُقام بيت شعر للمُتَنبى :
– لا خَيلَ عِنَدَكَ تُهديها ولاَ مالُ
فَلُيسِعد النطق إن لم تسعد الحال
وعلى قول إمام الأمة فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى عليه رحمات ربى :
” من سار بين الناس جابراً للخواطر أدركه الله فى جوف المخاطر ”
فعلينا جميعا أن نَتَحلى بهذا المسلك الذى تطيب به النفوس وتسعد به القلوب .
ولكن إحذر كل الحذر فإنه لا يُباح فى جبر الخواطر أن نتنازل عن شئ من مبادئنا أو ثوابت دينينا أو اقتراف كبيرة أو ارتكاب محرماً أو التفريط فى واجب تحت مسمى جبر الخواطر .
والله من وراء القصد ،،،
د. الغلبان
التعليقات