الخميس - الموافق 28 مارس 2024م

مستقبل اليمن من بعد مقتل صالح بقلم :- الدكتور عادل عامر

حالة من الغموض تكتنف الوضع في اليمن بعد مقتل الرئيس السابق الدكتور عادل عامر، علي يد مليشيات الحوثيين، وهو ما يضع مزيدا من التعقيدات على المشهد داخل الدولة اليمنية، خاصة أن صالح كان الوحيد القادر على مواجهة مليشيا الحوثي نظرا لقدرة قواته وخبرة رجاله وتحالفاتهم القبلية، خاصة أن المواجهات المحلية داخل اليمن مع الحوثي أخفقت منذ تمددهم خارج صعده عام 2012.

وبالنظر إلى قوة الحوثيين على الأرض نجد أنهم يمثلون قوة لا يستهان بها في معادلة الصراع داخل اليمن والمنطقة، لذا كان في البداية تحالفهم مع علي عبد الله صالح خلال 4 اعوام، كان تحالفا سياسيا وعسكريا لكنه انفرط قبل أيام، وانتهى بمقتل صالح، فأصبحت الغلبة للحوثيين على الأرض منذ أمس كما أعلنوا.

ويعتبر صالح رجل المواجهات في اليمن، إذ يعتمد على عائلته في قيادة الوحدات العسكرية طيلة فترة حكمه، حيث سلم المعسكرات والألوية العسكرية لأبنائه وأبناء أخوته، وكان طارق صالح نجل شقيقه هو قائد الحرب الأخيرة في المواجهة مع الحوثي.

وفي الآونة الأخيرة، تعددت المؤشِّرات المُعبِّرة على حدّة الصراعات بين جماعات الإسلام السياسي واحتِقان المشهد السياسي أمام هيْمنة خلافاتها الطائِفية والمذهبية، لاسيما بين السلفية الوهّابية ومؤيِّديها داخل حزب التجمّع اليمني للإصلاح والمُوالين لهم من جهة، وبين الشيعة مُمثَّـلين بجماعة الحوثيين والمُناصرين لهم من جهة أخرى.

السيناريوهات بعد مقتل صالح تتجاوز الآن مسالة من يخلفه، وتتعمق أكثر في كيف سيكون مصير اليمن، حتى الآن الواضح أن اليمن الشمالي بالكامل أصبح في قبضة جماعة الحوثي، الموالية لإيران، وهذا يعني قلب معادلة الصراع في المنطقة.

لقد قتل الحليف الذي راهنت عليه دول التحالف العربي ودعمت تحركه وانتفاضته، وتبنت معركته الإعلامية خلال حربه الأخيرة مع الحوثيين خلال 3 أيام ماضية.

مقتل الحليف المحلي، الذي كان التحالف العربي يراهن عليه لكسر شوكة الحوثيين، يعني فقدان آخر الحلفاء المحتملين الأقوياء أمام الحوثي، بعد إخفاق قوات الشرعية والمقاومة ووحدات الجيش التابعة للواء محسن الأحمر.

التحالف العربي خلال 3 سنوات لم يستطع حسم المعركة في اليمن، رغم أن معركة اليمن هي الأهم بالنسبة لدول الخليج في مواجهة محاولات المد الإيراني، وخسارة المعركة يعني تسليم اليمن رسميا إلى إيران. غير أن هذا محكوم بالموقف على الأرض بالنسبة للعملية العسكرية “صنعاء العروبة” التي أطلقها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادئ لتحرير صنعاء.

مقتل علي عبد الله صالح سيكون وقعه مدويا في العواصم الخليجية التي يهددها الحوثي بإرسال صواريخ، لم تعد هناك لحد الان قوة ردع يمكنها ان تقف امام الحوثي، لقد كانت محاولة صالح هي المحاولة الاخيرة

القبائل في اليمن لا يعول عليها، لأنها تاريخيا عرفت بأنها برجماتية، وتميل لمن غلب، وهذا يعني احتمالات انضمام كبرى القبائل مع جماعة الحوثي أو على الأقل التزامها الحياد وهنا نذكر أن قبائل اليمن خلال 3 سنوات من الحرب لم تكن جزء من الصراع ورفضت المشاركة بشكل رسمي وأصدرت كبرى القبائل بيانات تؤكد رفضها الانخراط في الحرب، والسماح لأفراد القبائل بالاشتراك بالحروب مع الحوثي أو صالح بشكل فردي.

إذا نفذ سيناريو إحكام قبضة الحوثيين على الشمال مع موالتهم لإيران، تكون الدولة الفارسية قد غرست نفسها في خاصرة الخليج، على حدود السعودية وباب المندب والبحر الأحمر، وما يشكله هذا من تهديد كبير للأمن القومي العربي لاسيما السعودي والمصري على الخصوص لارتباط المضيق بقناة السويس وممرات النفط. استمرار الصراع مرجح في اليمن، غير أنه صراع لصالح الجماعة الأقوى الآن على الأرض وهي جماعة الحوثي، التي ستحظى بمزيد من الدعم الإيراني.

اليمن المنهك فعيا دخل في نفق مظلم، جميع سيناريوهاته مفجعة، حيث لا يتوقع أن يتراجع طرف بما فيه التحالف العربي عن مبدأ الحرب، اليمن الذي ينهشه الجوع والفقر، والكارثة الإنسانية الأسوأ في العالم ترك وحيدا، وفشل التحالف العربي باستعادته، واستلم حلفاء إيران مواقعه الاستراتيجية في الشمال والساحل الغربي. كل هذا الهراء بسبب معاندتنا للتاريخ، معاندتنا للربيع، رفضنا حق الشعوب في حريتها،

في معادلة القوة التي اعتمد عليها صالح، يظهر القبائل كواحد من أهم عوامل القوة التي يمكن لأي طرف الاعتماد عليها، معظم القبائل انضمت في أول المعركة مع صالح، وفي اليوم التالي انقلبت الكفة لصالح الحوثيين، مما يعكس أن كثير من القبائل غيرت موقفها او فضلت البقاء على الحياد، في انتظار حسم الموقف على الأرض، فموقف القبائل اليمنية التاريخي هو موقف “برجماتي” يمكنه أن يغير موقعه وحليفه. لكن الدعم السياسي لتحرك صالح ضد الحوثيين كان واضحا مع إصدار البيان الرئاسي وبعده بيان الحكومة بدعم تحرك صالح أو انتفاضته ضد الحوثي، واكد رئيس الوزراء ان هادي سوف يصدر عفوا رئاسيا لكل من كان يساند الحوثي ويتحالف معه ثم بدل موقفه.

مصطلح الخيانة ورد على لسان عبد الملك الحوثي متهما صالح بالخيانة، واعتبرت جماعة الحوثي أن حديث صالح عن فتح صفحة جديدة مع دول الجوار هي مناصرة ” للعدوان ” عليهم. مما اضطر مكتب صالح وحزب المؤتمر إلى إصدار توضيحه مما وصفه بالعدوان قال فيه ” لقد فهم كلام الرئيس السابق بالخطأ انه مع العدوان على اليمن، وانه يؤكد وقوفه ضد العدوان”، هذا التوضيح كان مهما لصالح لضمان الحاضن الشعبي له خاصة وسط أنصاره. المشهد اليمني في حالته الرّاهنة، الذي تطغى عليه حُمّى الصِّراع الطائفي ونوازع الاستقطاب المذهبي، وجمع السلاح وتكديسه والتوجُّس المتبادَل بين الفرقاء، يبدو أقرب ما يكون إلى ساحة حربٍ سياسيةٍ من مجرّد خلافات بين برامج عمل وأيديولوجيات. أن الخِطاب الطائفي ينتعِش كلَّما ضعفت الدولة، ويتزايد كلّما نُقِل الصِّراع إلى مؤسساتها، كما هو واقع الحال في اليمن اليوم،

ويبدو أن لا خيار أمام اليمنيين -سوى استعادة الدولة من أيْدي الأطراف المُتصارِعة فيها وعليها، أو السقوط -لا سمح الله -في مُستنْقَع الصِّراع الطائفي المذهبي. بعد صمود الحوثيين لست سنوات، كانوا قد تحولوا إلى حركة عصابية عالية الكفاءة، وعززوا قدرتهم على مقاومة النظام بشكل دفاعي. في عام 2011، ومع بدء الربيع العربي، بدأ تحول من نوع آخر لدى الحوثيين. بحجة دعم الثورة، وهذا ما يجعل الحوثية كالمقامر الباحث عن مخرج وابتزاز الجميع بالانتحار”

لقد كان انتصار الثورة المضادة بشكل كامل مع استيلاء المليشيات المسلحة التابعة لجماعة الحوثي على العاصمة صنعاء وفقًا لمنطق التغلب الخلدوني، حيث حلت المليشيا محل الدولة وأسست شرعيتها على أساس العصبية القبلية وبمسحة مذهبية متمثلة بالانتماء لآل البيت وسرديتها التاريخية الخاصة. إن فشل الثورة اليمنية لم يكن فشلاً لمشروع سياسي فحسب، بل فشل على صعيد البناء الثقافي للجماعة الوطنية اليمنية كرافعة لقيام الدولة الحديثة.

ما ذكر أنفا يحدث في ارض اليمن السعيد، السعيد بصبر أبنائه على هذا القتل الجماعي، والخطف والصراع والدمار وتطبيع الحياة رغم الأسى، وغير السعيد بأولئك الذين يخططون ويدبرون لوضع اليمن تحت آباطهم ومصالحهم الشخصية.

 

الدكتور عادل عامر

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك