الجمعة - الموافق 19 أبريل 2024م

تطور الجريمة في عصر التكنولوجيا بقلم :- الدكتور عادل عامر

Spread the love

هذا المفهوم يشمل عنصرين هما: التطور ، والتكنولوجيا فالتطور نوع من التغير يأخذ صورة النمو من شكل بسيط إلى شكل أكثر تعقيداً، وتعد النظرية البيولوجية الدارونية الأساس المحوري للفكر التطوري.

أما التكنولوجيا فهي تلك الأساليب الفنية التي يستخدمها الإنسان بهدف إشباع حاجاته المختلفة وتحسين حياته، وهى أيضاً المعرفة باستخدام الأدوات والآلات لأداء المهام بصورة أكثر كفاءة لزيادة سيطرته على الطبيعة، وزيادة قدرته على الاتصال والإنتاج والرفاهية بشكل أفضل فالتكنولوجيا تكشف عن أسلوب الإنسان في التعامل مع الطبيعة والذى من خلاله يدعم استمرار حياته.

فالاختراعات التكنولوجية تنمو من الناحية التاريخية من الصور البسيطة إلى الصور المركبة، ويرتبط تصور التطور التكنولوجي ارتباطاً وثيقاً باعتقاد في وجود صور أولية بسيطة في التكنولوجيا، حيث يقول الأنثروبولوجي الأمريكي Leslie, A White إنه يمكن ملاحظة مدى التطور في استخدام الإنسان للطاقة منذ العصور الحجرية، حيث استخدم الإنسان أولاً الأدوات ثم النار ثم الآلات البخارية ثم الطاقة النووية

فالاختراعات التكنولوجية بدءاً من العصر الحجري تميل إلى تحقيق نمو أرقى باستمرار، فتاريخ التطور التكنولوجي ينظر إليه على أنه سلسلة من مراحل كبرى تتميز كل مرحلة بتعقيد أكبر من المرحلة السابقة، فإذا كانت التطورية البيولوجية الدارونية ترتكز أساسا على عملية الانتقاء الطبيعي Natural Selection فإن التطورية التكنولوجية ترتكز أساسا على الانتقاء التكنولوجي Technological Selection والتطور قد يؤدى إلى التغير، وقد يكون نتاجاً لهذا التغير الذى قد يكون تقدما ارتقائيا وقد يكون تقهقراً وضعفاً، وتعد التغيرات في الحياة البشرية البيولوجية أو الاجتماعية انعكاساً للتقدم التكنولوجي في الحضارة البشرية، والتطور يتم بشكل تدريجي وفق مراحل معينة، وأن كل مرحلة تعتمد على اكتشافات واختراعات المرحلة السابقة في إطار تغير مستمر على الدوام في التكنولوجيا الذى يساعد الإنسان على التكيف والتنافس مع بيئته.

فالتكنولوجيا في المرحلة الحالية هي نتاج لعصر المعلومات Information age في ضوء التطور الإلكتروني Electronic Evolution. تتعدد مفاهيم الجريمة بتعدد الوجهة التي ننظر بها إليها، فهي من وجهة نظر الدين: الجريمة هي الخطيئة، أي كسر وخروج على النظام الذى يعتقد أنه من وضع الله أي الدين، فهي فعل ما نهى عنه الدين وعصيان ما أمر به. ومن وجهة نظر علم النفس: الجريمة هي إشباع لغريزة إنسانية بطريق شاذ لا يسلكه الرجل العادي حين تشبع الغريزة نفسها وذلك لأحوال نفسية شاذة انتابت مرتكب الجريمة في لحظة ارتكابها بالذات.

ومن وجهة نظر القانون: الجريمة هى كل فعل يعود بالضرر على المجتمع ويقرر له القانون عقوبة جنائية. ومن وجهة نظر علم الاجتماع: الجريمة هى نوع من الخروج على قواعد السلوك التى حددها المجتمع لأعضائه، وهى مسألة اعتبارية محضة يرجع فى تقديرها إلى المجتمع الذى له السلطة العليا فى التمييز بين أنواع السلوك، وفى الحث على الالتزام ببعض أنواعها، وفى تحريم أنواع أخرى فيها خروج عن النظم التى وضعها وانحراف عن الطرق التى شرعها إذ هو يرى فيها تهديداً لكيانه

إن عدداً كبيراً من علماء الاجتماع تبنوا نظرية الحتمية التكنولوجية لما لها من آثار هامة فى تحديد الثقافة والبناء الاجتماعى والتاريخى. حيث ترى النظرية الماركسية أن التطور التكنولوجى هو العامل الرئيس المؤدى إلى التغير الاجتماعى، ويقصد بالتطور التكنولوجى (تطور قوى الإنتاج سواء كانت قوى بشرية أو مادية) حيث إن نقطة البدء فى التغيير الاجتماعى تبدأ من تطور قوى الإنتاج، وهذا التطور يؤدى إلى خلل فى التوازن بين قوى الإنتاج المتطورة وعلاقات الإنتاج المتخلفة والتى أصبحت عقبة أمام قوى الإنتاج وهذا التناقض أو الخلل يعتبره ماركس القوة المحركة للمجتمع. فالطبقة التى تسيطر على التكنولوجيا تكون لديها القدرة على تغيير شكل الحياة الاجتماعية و الاقتصادية. فالتطور المتزايد فى أدوات الإنتاج يؤدى إلى تناقص فى بذل الطاقة الإنسانية، والعامل هنا لا ينتفع بالأدوات وإنما هى التى تستفيد منه، الأمر الذى يترتب عليه تجمع الثروة فى أيدى الرأسماليين وزيادة الفقر والجهل والانحطاط بين العمال فالتطور التكنولوجى فى مجال الصناعة فى المجتمع الرأسمالى القائم على الربح الخاص مسئول عن الأزمات المالية وسوء توزيع الثروة وهى من الأوضاع المشجعة على الجريمة

إن الثورة العلمية والتكنولوجية التى أعقبت الثورة الصناعية والتى بدأت منذ النصف الثانى من القرن العشرين حتى الآن، تضع بين أيدى الإنسان ولأول مرة أدوات ذات فاعلية هائلة، تغير تماما من نوعية علاقته مع الإطار الجغرافى والموارد الطبيعية والمناخ.. الخ، وتغير أيضاً شكل الحياة اليومية فى كافة المجتمعات البشرية، فلقد تأثرت طرق حياتنا وسلوكنا الاجتماعى بالتقنيات المختلفة ابتداء من أدوات المطبخ حتى السيارة، بل ساهم اختراع البارود والقنابل والمدافع والطائرات وتفتيت الذرة فى تغيير مجرى التاريخ والعلاقات الدولية ومعالم الحياة السياسية

فلقد أصبحت التكنولوجيا عنصراً أساسيا وهاماً فى كافة مجالات الحياة، حيث استطاعت أن توفر من تكلفة الإنتاج فضلا عن الدقة فى تصميم المنتج طبقا للمواصفات العالمية، هذا بالإضافة إلى ما وفرته من الجهد والوقت اللازمين للاتصال بالعملاء، كما أنها خلقت فرص عمل غير عادية، فانتشار الحاسبات الآلية وشبكة المعلومات الدولية ساهم فى خلق نظام الصيرفة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية، والتعليم عن بعد، والعمل عن بعد من خلال المحادثة الفورية والبريد الإلكترونى، بل ساهم فى ربط العالم شماله بجنوبه وشرقه بغربه حيث الانتقال السريع للمعلومات وسهولة انتقال الأموال والأشخاص

إن التطور التكنولوجى فى مجال المعلومات والاتصالات ساعد على تزايد درجة الاندماج والارتباط بين الدول والمجتمعات وظهور الشركات الكبرى متعددة الجنسيات وتحرير التجارة الدولية وإزالة العوائق أمام تدفقات رءوس الأموال المصرفية والاستثمارات الدولية؛ وإلغاء الحدود الإقليمية فالأقمار الصناعية وشبكة المعلومات الدولية جعلت العالم اليوم يمثل مجتمعا واحداً حيث الانتقال السريع للمعلومات وسهولة انتقال الأموال والأشخاص كل هذه الظروف هيأت مناخاً جديداً مشجعاً لارتكاب الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية سواء ارتكبت فى دولة بناء على تخطيط وتنفيذ جماعة إجرامية منظمة تمارس أنشطة إجرامية فى أكثر من دولة، أو تم التخطيط لها فى دولة، وتنفيذ ما خطط له فى دولة أخرى، أو ارتكبت فى دولة واحدة ولكن ترتب عليها آثار شديدة فى دولة أو دول أخرى.

فالحدود الاقتصادية المفتوحة جعلت الجريمة المنظمة قادرة على تنفيذ مآربها الإجرامية عبر الحدود، وأن الظروف الصعبة التى تحيط بالدول النامية كانت بمثابة التربة الخصبة لنمو جرائم غسيل الأموال والاتجار غير المشروع فى المخدرات والإرهاب والغش والفساد تلك الجرائم التى ارتدت عباءة تشجيع الاستثمار وتوريد السلع الرأسمالية ولقد تميزت الجريمة المنظمة بأنها عابرة لحدود الأوطان

، وأدى نشوء السوق العالمية المالية إلى ممارسة الجماعات الإجرامية المنظمة التأثير على مصادر السلطة وتوريطها فى الفساد، وتشير أحد الدراسات التى عرضت فى المؤتمر العاشر لمنع الجريمة فى فينا 2000 أن معدلات الفساد المتوقعة بين السياسيين تجاوزت 75% فى جميع مناطق العالم فى حين سجلت أمريكا الجنوبية والشرق الأقصى معدلات قياسية بلغت 90%. وتشير الدراسات التى أجراها صندوق النقد الدولى أن البلدان التى يوجد بها فساد تحقق معدلات استثمار تقل 5% عن البلدان التى لا تعتبر فاسدة، ولقد اكتسب الفساد بعدا دوليا مع تزايد عولمة الأسواق وما يصاحب ذلك من تدويل للأنشطة غير القانونية، فالفساد من الجرائم المدمرة للاقتصاد القومى وهى من الجرائم التى تسير جنبا إلى جنب مع إساءة استخدام السلطة والامتيازات السياسية والاقتصادية والجريمة المنظمة

ولقد أضافت الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية بعداً سلبيا للعولمة مع غيرها من السلبيات الاقتصادية التى كان لها آثارها السلبية على الدول النامية، فلقد أصبح الفساد أداة من الأدوات المفضلة للجريمة المنظمة بل جزء لا يتجزأ من استراتيجيتها، وذلك باعتبار أن المال الفاسد نوع من الاستثمار الناجح للجماعات الإجرامية المنظمة حيث يزيد من فرص نجاح جرائمهم ويقلل من ملاحقتهم والقبض عليهم ومحاكمتهم.

فالتطور التكنولوجى فى وسائل المواصلات والاتصالات والتقنيات الحديثة أدى إلى التقارب الشديد بين الدول وجعل الجريمة لا تعرف الحدود الطبيعية أو الصناعية التى تفصل بين الدول، وأصبح الإجرام ينتقل فى لحظات من دولة إلى أخرى لدرجة أن الجريمة قد يتم الإعداد لها فى دولة ثم يشرع فى ارتكابها فى دولة ثانية، وربما تنفذ فى دولة ثالثة، وقد تظهر آثارها فى دولة رابعة.

فالعصابات الإجرامية تستخدم الوسائل التكنولوجية الحديثة لتوسيع نشاطها الإجرامى فى مجالات الاتجار فى المخدرات وغسيل الأموال والفساد والإرهاب وتجارة الرقيق، حيث تشير إحصاءات الأمم المتحدة الخاصة بالجريمة والعدالة عام 2000 إلى أن هناك 200 مليون مهاجر فى العالم يعانون من الاستغلال والرق والاستعباد من جانب المافيا الإيطالية واليابانية والصينية نصفهم من النساء اللاتي يتم استغلالهن في احتراف الدعارة التى يقدر عائدها السنوي بأكثر من 7 مليارات دولار وتحتل المركز الثاني بعد تجارة المخدرات

إن شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت” غرست لدينا إحساساً بأننا نعيش فى بيئة جديدة ومجتمع بلا قانون هو مجتمع الفضاء الرقمي الإلكترونى، حيث هيأت هذه الشبكة للأفراد الذين لديهم ميول إجرامية من ناحية ومهارات فى سوء استخدام هذه الشبكة من ناحية أخرى – ارتكاب الجرائم القديمة بأساليب تكنولوجية حديثة ومبتكرة كالغش والنصب وتجارة البشر… إلخ فهذه الشبكة تعد بمثابة ميدان آخر لممارسة الأنشطة الإجرامية ، ولقد خلقت هذه الشبكة العديد من العقبات التى تتطلب حلولاً جديدة ومبتكرة بل وسريعة فى نفس الوقت، كما أنها تتطلب فريقاً من كافة الهيئات الأمر الذى يعطى أهمية قصوى لتدريب الضباط وتسليحهم بأدوات ومؤهلات حقيقية لجمع وتحليل البيانات من الحاسب الآلى وشبكة المعلومات الدولية لاكتساب المهارات والدلائل التى تمكنهم من تحديد النشاط الجنائى.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك