الجمعة - الموافق 29 مارس 2024م

الارهاب التكفيري بقلم :- الدكتور عادل عامر

تعد ظاهرة الارهاب من الظواهر القديمة في التاريخ فكما ان الانسان عرف المقاومة وكانت الحياة بالنسبة له ضرب من ضروب المقاومة فقد عرفت المجتمعات البشرية الارهاب بمختلف اشكاله ومظاهره بالجريمة والعنف وخلق حالة من الرعب في الحياة اعتماداً على مبدأ القهر والظلم واليأس والبؤس وبالرغم من جوهر الارهاب واحداً لكنه يختلف من زمن لأخر فالقديم ليس كالجديد لاختلاف اشكاله وادواته والاهداف والتقنية في التنفيذ

أن فكرة الإرهاب التكفيري فكرة سيئة إلى حد كبير وعليه فأن محاولة التعريف صعبة بالنسبة للمجتمع الدولي الذي يريد وبكل الوسائل مقاومة ومكافحة هذه الظاهرة الخطيرة، لقد بذلت محاولات فقهية للوصول الى تعريف موحد للإرهاب التكفيري يكون جامعاً مانعاً لكل عناصره وجوانبهـا، وهذه المحاولات وحدها تعد غير كافية لفهم الظاهرة وتلمس طبيعتها وابعادها حيث غلبت النظرة القانونية على معظم هذه المحاولات

من جهة ومن جهة اخرى جاءت هذه المحاولات متباينة، ومن حيث المعيار الذي ارتكز عليه لتميز العمليات الإرهابية فالبعض منها قد اعتمد اساساً على طبيعة الوسائل المستخدمة بان تكون وسائل عنف من شأنها اثارة الرعب او احداث خطر عام يهدد الحياة البشرية والأمن العام والبعض الأخر ينظر الى الاثر المترتب على الفعل وهو التدمير والتخريب كأثر مادي وارهبه والخوف كأثر معنوي لدى من يوجه اليه هذا الفعل وقد ظهرت هذه المحاولات في كتابات الفقهاء وفي الاتفاقيات الدولية وفي القرارات الصادرة عن المنظمات الدولية

وفيما يلي ابرز المساحات التي يمكن من خلالها احاطة بموضوع تعريف الارهاب التكفيري يعرف البعض الارهاب التكفيري بانه: كل اعتداء على الارواح والممتلكات العامة والخاصة بالمخالفة لأحكام القانون الدولي بمصادره المختلفة وهو بذلك يمكن النظر اليه على اساس انه جريمة دولية اساسها مخالفة القانون الدولي ويعد الفعل ارهاباً دولياً وبالتالي جريمة دولية سواء قام به فرد ام جماعة ام دولة كما يشمل اعمال التفرقة العنصرية التي تباشرها بعض الدول كما اشار البعض الى ان الارهاب التكفيري هو مصطلح يستخدم في الازمنة المعاصرة للإشارة الى استخدام المنظم للعنف لتحقيق هدف سياسي وبصفة خاصة جميع الاعمال العنف

(او حوادث الاعتداء الفردية او الجماعية او التخريب) التي تقوم منظمة سياسية بممارستها على المواطنين لخلق جو من عدم الامن وهو ينطوي على طوائف متعددة من الاعمال التي اظهرها اخذ الرهائن واختطاف اشخاص بصفة عامة وبخاصة الممثلون الدبلوماسيون وقتلهم ووضع متفجرات او عبوات ناسفة في اماكن تجمع المدنيين او وسائل النقل العامة والتخريب ويرى البعض ان الارهاب التكفيري مذهب يعتمد للوصول الى اهدافه على الذعر والاخافة

وهذا المذهب ذو شقين: شق اجتماعي يرمي الى القضاء على نظام الطبقات القائم بمجموعة تحت مختلف اشكاله فيكون النظام الاجتماعي بمجموعه هدفاً مباشراً له، وشق سياسي يهدف الى تغيير اوضاع الحكم راساً على عقب ولا يتردد في ضرب ممثلي الدولة لضرب الدولة ذاتها والبعض ينظر الى الارهاب بوصفه ظاهرة سياسية وليست اجرامية ومن ثم يعرفه على انه منهج لاستخدام العنف في المنازعات يرمي الفاعل بمقتضاه وبواسطة الرهبة الناجمة على العنف الى تغليب رأيه السياسي أو الى فرض سيطرته على المجتمع أو الدولة من اجل الحفاظ على الوضع الاجتماعي القائم أو من اجل تغييره او تدميره.

ان الارهاب الذي تعكسه وسائل الاعلام ليس بظاهرة جديدة فمنذ النشأة عرفت احداث القتل والعنف بمختلف الوسائل وقد مر الارهاب بسلسلة من التطورات اثرت في اهدافه فاليوم اصبح بحكم التطور في نواحي الحياة اكثر تطوراً من ارهاب الامس ففي العصر الحديث ظهرت ايدولوجيتان كانتا قد بحثتاً بالعديد من العمليات الارهابية في العديد من الدول الاوربية وهما الحركة الفوضوية والحركة العدمية وهما وجهان لعملة واحدة حيث انهما ترفضان السلطة وتكرهان الدين وتقوم الحركة الفوضوية على اساس الحرية المطلقة واستخدمت القوة من اجل احداث تغير المجتمع ومع تصاعد البطش الذي جوبهته هذه الحركة فقد ظهرت سمعتها السياسية والفكرية لمجموعة من المغامرات قامت فيها بأوروبا وروسيا القيصرية ما جعل الجماهير تخاف منها على الرغم بدعواها الى تخليص الجماهير القهر والسلطة، وقد ارتبط الارهاب بالفوضوية بشكل مباشراً على اثر انتقال الحركة من العمل الدعائي الى العمل الثوري العنيف كوسيلة لتحقيق الاهداف،

لابد لمعرفة اسباب الارهاب التكفيري من الوقوف على طبيعة هذا النشاط بحد ذاته والنشاط الارهابي هو كناية عن تصرف انساني تمليه ارادة واعية لكنه نتاج دوافع معينة تختلف بواعثها من شخص لآخر وفق تأثره بتلك الظروف المحيطة به ومما لاشك فيه ان النشاطات ارهابية تشعر البعض من المنحرفين فكرياً بشيء من الرضى او القبول هذا ما يدفع بهم الى مواجهة من لا يستطيعون مواجهتهم مباشرة وفي كل مرة يشعرون بعدم التكافؤ مع الخصم او لعدم التيقن من ان رجحان الكفة لصالح هذا الاخير جلي، ولان اية مواجهة مباشرة بين الطرفين ستكون نتائجها معروفة سلفاً ما يدفع بالطرف الاضعف الى اللجوء لأطر مواجهة غير مباشرة لعلها تنقذه من الاستسلام للعدو او الخصم او تعينه على الحد من مغالاة هذا الاخير او امعانه في تغطرسه او عدم تركه يشعر بالراحة وبالوقت ذاته تشفي ردة الفعل هذه غليل الضعيف لشعوره بالعجز عن المواجهة، وبما ان الارهاب التكفيري هو كناية عن سلوك انساني يتبلور نتيجة تأثر الفرد بالعوامل الملازمة له تدفعه للانحراف نتيجة تفاعل معقد بين هذه العوامل ومكوناته العضوية ثم الى التعبير مادياً بعنف غير مبرر لأغراض ارهابية وتنقسم هذه العوامل بدورها بين ما هو شخصي وما هو موضوعي

تلعب العوامل الاجتماعية دوراً مهماً في انحراف الشخص ودفعه للانخراط في التنظيمات الارهابية وتتوقف تأثيرات العوامل الاجتماعية على مدى قوة الروابط الاجتماعية بين افراد المجتمع وفي مقدمتها الروابط الاسرية وتضم العوامل الاجتماعية العادات والتقاليد السائدة في المجتمع وسلوكيات افراده او واردات فعلهم تجاه بعض المسائل ومدى اعتمادهم العنف وسيلة لحل المشاكل والمعضلات التي يوجهونها او لجوئهم الى اساليب اخرى كالحوار او السعي لتغيير الواقع الذي يعانون منه او رفض كل ما يعرض عليهم او ما لا يستطيعون مجاراته ومعاشاته.

تأتي العوامل السياسية في مقدمة مسببات الارهاب لان الغاية السياسية تكمن خلف معظم الاعتداءات الارهابية وغالباً ما تدفع النزاعات السياسية ببعض الجماعات والدول الاضعف الى اللجوء الى العنف لتحقيق مطالبها في كل مرة تشعر بعجزها عن الوصول الى اهدافها او حقوقها بالأطر السلمية لمجابهة المخاطر التي تحدق بها ولا تقتصر تأثيرات العوامل السياسية على التسبب بالانحراف نحو الارهاب بل في انتشاره وتحديد طبيعة اهدافه وايديولوجياته كما تنقسم بين العوامل محلية وعوامل دولية ولكل نوع منها تأثيراته الخاصة، تتمحور العوامل المحلية في ما يتعلق بطبيعة نظم الحكم

ومدى توفيرها الفرص لعامة الشعب في الاشتراك السياسي او ابداء الراي في المسائل السياسية المطروحة ايجابياً او سلباً ولكن حدة تأثيرها في الانظمة الدكتاتورية تكون اشد مما هو عليه في الانظمة الديمقراطية حيث يوجد هامش اوسع لأبداء الرأي، بدورها لا تقل الظروف السياسية الدولية اهمية من حيث تسببها في تفشي الارهاب وخاصة في شقه الدولي نتيجة احتدام الصراعات السياسية بين مختلف الدول وتضار بمصالحها اضافة الى تفشي ظاهرة الاستعمار بكافة اشكالها المادية او الثقافية او الاقتصادية اضافة الى اجراء الصفقات السياسية عل حساب بعض الدول الضعيفة احياناً او على حساب بعض الناتئات او الجماعات وتغليبها للمصالح الخاصة على اعتبارات العدالة والمساواة بين الشعوب نتيجة محاباة دولة او فئة على حساب فئة اخرى والامعان في تجاهل المطالب المحقة او عدم الاستجابة ما يدفع بهذه الشعوب او الفئات بين الفينة والاخرى الى التعرض لبعض مصالح من تعتبرهم مسؤولين عن معاناتهم تعبيراً عن رفضهم للواقع المفروض رداً على ما يعتبرونه امعاناً في الظلم والتغطرس.

تعتبر العوامل الاقتصادية من المؤثرات الرئيسية التي تساهم في بلورة النشاط الارهابي وسلوكيات التنظيمات الارهابية تدخل هذه العوامل في تشكيل الحافز للنشاط الارهابي لانعدام تكافؤ الفرص امام المواطنين لذا ينبغي توخي الحذر عند اختيار معايير المقارنة بين الاقتصاد الغني والاقتصاد الفقير والدولة الغنية والدولة الفقيرة، وان كان هذا لا يمنع من وجود فقراء في دول غنية واغنياء في دول فقيرة وخاصة عندما يتنامى لدى افراد المجتمعات التي تعاني من الفقر والعوز والبطالة شعور بانعدام المساواة بينهم وبين اترابهم الاغنياء او اولئك الذين يعيشون في الدول الغنية والذين ينعمون برغد العيش حيث توفر لهم مختلف متطلبات الراحة والرفاهية في الوقت الذي يكابدون هم من اجل تأمين المسكن وقوت عيالهم فيعزون ذلك لاستغلال الدول الغنية لمقدرات وثروات الدول الفقيرة ما يؤجج الرغبة في الانتقام.

تؤدي زيادة الفوارق الاجتماعية بين فئات المجتمع الى خلق شعور لدى الفئة التي تعيش الحرمان بالكراهية للطبقة الحاكمة وخاصة الثرية منها لعدم التكافؤ في الفرص ووجود فئات تتمتع بثراء فاحش وفئات لا تجد المأوى والمسكن وقد يعيش افرادها في العراء من دون مأوى فكيف الحال اذا تعثر نظام الحكم في حل المشاكل الاجتماعية ومن هذه العوامل زيادة مشاعر الاحباط ووجود اعلانات استفزازية عن السلع والخدمات وغيرها من المؤثرات التي تولد شعور بالحقد والكراهية كل ذلك يؤدي الى اتحاد الطبقات في كفاحها من اجل المطالبة بما تعتبره حقوقاً مشروعة لها معتمدة اساليب شتى وقد يؤدي الى انتفاضات وحركات عصيان وثورات متوسلة العنف لتحقيق مطالبها والتعبير عن كراهيتها للسلوك الاجتماعي السائد وقد تميل للانحراف والانضمام الى جماعات ارهابية، لا تأتي تأثيرات كل من هذه العوامل المسببة للإرهاب بمعزل تأثيرات العوامل الاخرى كما ان تفاعلاتها في ما بينها تؤدي مجتمعة الى الانحراف الارهابي ومما لاشك فيه انها تؤثر في تحديد النمط الذي قد تعتمده كل جماعة من التنظيمات الارهابية في تنفيذ اعتداءاتها

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك