الجمعة - الموافق 19 أبريل 2024م

(أنهلك وفينا الصالحون) بقلم/الشيخ/طه أبو بكر

Spread the love

دخل النبي- صلى الله عليه وسلم- ذات يوم في بيته بيت زينب، وهو يقول-صلى الله عليه وسلم-: (ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج كهذا وحلق بين

إصبعيه، قالت له زينب: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون، قال: نعم، إذا كثر الخبث)، يعني إذا كثرت الشرور والمعاصي، الكثرة في الشرور والمعاصي من أسباب الهلاك، كما قال- صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآخر: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه، فالواجب إنكار المنكر بالفعل, فإن عجز فبالقول, فإن عجز فبالقلب, والله يقول -سبحانه وتعالى-: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(المائدة:79) ، فالواجب على المسلمين إنكار المنكر، وعلى ولاة الأمور يجب إنكاره، وعلى الإنسان في بيته مع أهله مع زوجته مع أولاده، وعلى أهل الحسبة المعينين لهذا الأمر عليهم أن ينكروا المنكر، ولهذا يقول-جل وعلا-في كتابه العظيم: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ(التوبة: من الآية71) فإذا كثر الخبث والمعاصي صار هذا من أسباب هلاك الأمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إذا لم تنكر.

دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعاً يَقُولُ:
(( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ))
[ متفق عليه ]
أموال من حرام تبيض، الانحراف الخلقي في أوسع صوره، الطرقات تمتلئ بالكاسيات العاريات، الفضائيات، الانترنيت، الانحرافات، نعم إذا كثر الخبث.
الحديث الثاني:
وجاء فتى من الأنصار فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أيّ المؤمنين أفضل ؟ قال: أحسنهم خلقاً، قال: فأي المؤمنين أكيس ؟ ـ أي أعقل وأذكى ـ قال: أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم استعداداً له، ثم سكت الفتى فأقبل علينا النبي عليه الصلاة والسلام فقال:
(( يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا
ـ ساعة نسمع أنفلونزا الطيور، وساعة أنفلونزا الخنازير، وساعة مرض الإيدز، هذه كلها أمراض لم تكن معروفة من قبل،
وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ
ـ وتعني هذه الكلمات مطلق الغش، قد تغش بالمكيال، أو بالوزن، أو بالأطوال، أو بالمساحات، أو بالسعر، أو بتغيير الصفات، أو بمصدر البضاعة، كأن هاتين الكلمتين تعنيان الغش بكل أنواعه ـ
وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ
ـ القحط ـ
وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ
حرب الخليج الأولى انتقل من أيدي المسلمين إلى أيدي أعدائهم قريب من ألف مليار، وفي حرب الخليج الثانية انتقل من أيدي المسلمين إلى أيدي أعدائهم مثل هذا المبلغ
إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ))
[ ابن ماجه ]
الدماء تسيل في دول كثيرة بين المسلمين.
الحديث الثالث:
عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ ؟ قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
(( بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا
ـ مادية مقيتة ـ
وَهَوًى مُتَّبَعًا
ـ الجنس ـ
وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ الْعَوَامَّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ ؟ قَالَ: بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ))
[ أخرجه الإمام الترمذي و أبو داود ]
وفي رواية: و لمَ ؟ قال: لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون.
الدنيا كلها مع الفسق والفجور ومع الإباحية، ومع أكل الأموال الحرام.
وذكر متى يكون ذلك بقوله: (إذا كثر الخبث)والخبث في كلام العلماء الباطل، والشر، والفحش، وأولاد الحرام، وكذلك النجاسة فهذه أيضاً الخبائث كالخمر فهي أمها، والخبيث الرديء، والفاسد، والمكروه، والخبائث والخبث المعاصي عموماً، والفواحش خصوصاً كل ذلك من الأسباب، وقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- للهلاك أيضاً ما ورد في حديثه: (ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله).

ومن الأسباب أيضاً تطفيف المكيال والميزان فإن الله -سبحانه وتعالى- أهلك قوم شعيب بشركهم، وبمنكرهم هذا أيضاً وهو التطفيف، وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ سورة الشعراء183، وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: “إذا جئت أرضاً يوفون المكيال والميزان فأطل المقام فيها، وإذا جئت أرضاً ينقصون المكيال والميزان فأقلل المقام بها” أي: أنها على خطر من عذاب الله -سبحانه وتعالى-
قال سعيد بن المسيب رحمه الله: “إذا جئت أرضاً يوفون المكيال والميزان فأطل المقام فيها، وإذا جئت أرضاً ينقصون المكيال والميزان فأقلل المقام بها” أي: أنها على خطر من عذاب الله -سبحانه وتعالى-
وأعظم الخبث ولا شك خبث العقيدة وما تنطوي عليه القلوب من الشرك، والعقائد الباطلة، فإن هذا أعظم أسباب نزول العذاب ولا شك، وكثرة الخبث المجون والمنكرات، وكلمة كثرة تدل على الشيوع والظهور، فإنها ليست مستترة، وليست عند آحاد، بل إنها شائعة، وأعظم ذلك المجاهرة كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- (كل أمتي معافى إلا المجاهرين)قال بلال بن سعد رحمه الله: “إن الخطيئة إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها، فإذا ظهرت ولم تغير ضرت العامة” فيكون إهلاك الجميع عند ظهور المنكر وإعلانه، وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله:”كان يقال إن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم” وهذا عمل المنكر جهاراً يؤذن بعقوبة الله -سبحانه – لهؤلاء الذين مروا ولم يغيروا، رأوا ولم ينكروا، وكذلك كثرة الخبث عبارة تدل على إقرار المنكر، والاعتراف به، وقد قال الله: وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً سورة الأنفال25، وقد ذكر ابن عباس -رضي الله عنه- في تفسيرها أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب، وعندما يصبح الكفر وتصبح الردة حرية، ويصبح العري ويصبح المجون والخنا والفحش والغناء فنوناً، وعندما تقع هذه الاختراقات لحدود الله -سبحانه وتعالى- فإن هذا ولا شك يعرض الجميع لعقاب الله، فإن الله أنزل شرعاً ليتبع، وحد حدوداً لتحترم، ولا تنتهك له حرمات سبحانه وتعالى وهو يغار، (إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة) ، وهذا الحديث رواه أحمد رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا،

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك