الخميس - الموافق 28 مارس 2024م

أحمد فوزي سالم يكتب :- الدعشنة فينا.. بس ربنا هادينا!

يمكنك أن تري الدواعش ظلالًا سوداء تُفسد في الأرض، وتحتار في  البحث خلفهم إن كانوا صنيعة مخابراتية أو أحقادًا أوربية وأمريكية على أمة الإسلام، أو جزءًا من مؤامرة كونية لا تفهم مرادها، ويمكنك أن تتجه مثلي لترى الدعشنة الحقيقية ليست مجرد وجوه عابسة تخبئ خلفها وحوشًا بشرية تتغذى على الدموية والقتل والسبي والنحر فقط، بل ربما تكون أقرب لـ “منهج ممنهج” يعيش فينا ونعيش فيه !

وقبل أن تستغرب حديثي، سأقول لك ليس الأمر بهذه الصعوبة، فقط دقق النظر قليلا في كل المتغيرات والشواهد الغريبة التي تحدث من حولنا يوميًا، وحدها ستكشف لك أننا مجتمع يرتاح للداعشية أكثر مما يرتاح لغيرها من وسائل التعايش وأساليب الحياة !
فلو كانت تقتصر الدعشنة على ما نشاهده في بلاد الشام والعراق، وسائر البلاد التي تمدد القتلة والمخربون على أنقاض توتراتها السياسية، لكان الأمر انضوى على مجموعة من المجرمين فكرًا وسلوكًا، ستحاصرهم الحضارات والشعوب سريعا، وستقضي عليهم آجلا أم عاجلًا.

ولكن الدعشنة الحقيقية تتلخص في المسلك النفسي والاجتماعي العجيب الذي يرتاح في هدم الأفكار وأصحابها، والنجاح وأربابه، والعلم ومنابعه، فلا حياة تستقر هنا في الغالب إلا لأصحاب التشوهات النفسية والفكرية، والقادرون فقط على إحداث هزات في الخرافة والدجل، والإعجاز الهرقلي في تسويف الأمور وتعجيز كل موهبة سواء بالمحاصرة النفسية أو تسريب غازات الفشل حولها فيُقتل حلمها في المهد، ولا يبقى أمامها إلا السير الإجباري في واحات القطعان، بنفس مستنقع البيروقراطية اللعين الذي استقر وتوحش، ولا مجال أو رغبة حقيقية لانتزاعه من الجسد المثخن بالأمراض والعلل !

ولا ترتكن الداعشية على تأصيل ثقافة الفهلوة، بل قد تجد داوعش “دحالبة” يوثقون لمبادئهم البيضاء على صفحات وسائل التواصل فقط، يلعنون الظلم والظالمين، وينثرون السريالية على مواقفهم، فلا تفهم إن كانوا مؤيدين أو معارضين، المهم أنهم ناقمون دائمًا على ما يحدث !

يدعون لاجتهاد غامض الملامح، ويسبون “الطبل” وأربابه وصبيانه، ولكنهم عمليًا يترفعون عن مساعدة من يجتهد ويسير على مبادئهم، وفي أول اختبار لهم، ستجدهم يختبئون داخل عالمهم السريالي، فأجنحتهم الملائكية تخصهم وحدهم، ولا يستخدمونها إلا للطيران في الجانب المظلم “رغبة في الظهور وليس أكثر” ولا وقت أو رغبة لديهم لصنع ملائكة جُدد.. يأخذون من عدد لايكاتهم في عالمهم الافتراضي !

وبنفس الدرجة من الدهشة ستري الداعشيين الأدعياء يساعدون صبيانهم، يقفون بجوارهم بشدة، يعلمونهم أصول “الدهلكة”، ويجعلون منهم في سنوات قليلة نجومًا بارزة في اللعب بالبيضة والحجر، حتى لا يستشعروا أنهم وحدهم الحالمون بقصور مُهجرة بلا نوافذ وأبواب، ولكن يقف طموح الأشبال عند حدود معينة لا تتخطى كبارهم، وبنفس العزيمة لصناعة صبيانهم يقفون بحسم لأي مخالف عن نهجهم، ولا يتركونه إلا مشردا.. أو مشوه النفس والأفكار والعزيمة !

الدعشنة في مجتمعنا حالة مرضية ليس لها علاج، وربما يكون الفرق الوحيد بين دواعش الداخل أنهم لا يستخدمون العنف الدموي كدواعش “البغدادي” عملًا بمبدأ “الدعشنة فينا بس ربنا هادينا” !

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك